بوتين في الخليج.. الفرار من العدالة

وصل فلاديمير بوتين منتصف الأربعاء في 6 الجاري إلى الإمارات بحراسة 4 مقاتلات عسكرية روسية بكامل سلاحها، وغادر منتصف ليل 7 الرياض، من دون أن يقابل الملك سلمان بن عبد العزيز. ومع أن الناطق بإسم الكرملين أشار إلى أن طائرة بوتين حصلت على إذن بالتحليق من الدول التي عبرت أجواءها، إلا أنه لم يذكرها بالإسم. كما لم يذكر ما إن كانت هذه الدول مصادقة على نظام روما الأساسي لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية وطلبت عدم ذكرها، أم كان الإغفال بمبادرة من الكرملين لتفادي إحراج هذه الدول  واتهامها بالتقاعس عن تنفيذ مذكرة المحكمة باعتقال بوتين. 

موقع الخدمة الروسية في راديو "صوت أميركا" استهل نصه في 8 الجاري عن زيارة بوتين للإمارات والسعودية بالقول أن الميديا العالمية لم تعر كبير إهتمام لنتائج زيارة بوتين إلى الشرق الأوسط. ورأت وسائل الإعلام الروسية في الأمر رغبة من الغرب في التقليل من أهمية الزيارة. لكن الموقع يرى أن الأمر ربما يعود إلى المعلومات النادرة حول مسار المفاوضات بين قادة هذه الدول والزعيم الروسي، وحول نتائجها. غير أن الزيارة نفسها أثارت الإهتمام، حيث أن بوتين توجه إلى الشرق الأوسط في الوقت الذي تخوض فيه روسيا حرب توسع دموية ضد أوكرانيا، رغم مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية. 

ينقل الموقع عن الكاتب الصحافي بالشؤون الدولية  Ivan Preobrazhensky قوله بأن زيارة بوتين استهدفت أمرين رئيسيين. فقد أراد بوتين أن يثبت أنه، وعلى الرغم من مذكرة الجنائية الدولية، بوسعه السفر إلى دول أجنبية دون الخشية من المتاعب، وأن موسكو ليست في العزلة الشديدة التي سعى الغرب لفرضها. 

يرى Preobrazhensky أن الموضوع الإقتصادي كان مهما بالنسبة لبوتين، حيث أنه يمثل مصالح الطبقة الحاكمة الروسية. فعلى الرغم من أن نتائج الإنتخابات الرئاسية القادمة محسومة النتائج، إلا أن بوتين بحاجة أن يثبت أنه قادر على المسائل المطروحة أمام روسيا، ومن ضمنها أسعار النفط. كما أن "الرعية المخلصة" يجب أن ترى بأم العين كيف يستقبل حكام الخليج الرئيس الروسي، بغض النظر عما يقولونه في الغرب. بهذا المعنى يمكن إعتبار الزيارة ناجحة بالنسبة لبوتين. وفي ما يتعلق بالإقتصاد يعتقد الكاتب أن النتائج قد نراها أواخر السنة الحالية أو مطلع الجديدة، وبين أمور أخرى، تطرقت إلى مسألة التحكم بأسعار النفط. ويشير إلى أن النفط الروسي غالياً ما يباع حالياً بأعلى من السقف الذي حدده الغرب. ويرى أن روسيا معنية  بالمحافظة على هذا الإتجاه وترسيخه، وقد يكون من الأسهل القيام بذلك عبر الإتفاقات غير الرسمية مع مستقبليه.

يقول الكاتب أن المصالح المشتركة مع "مشايخ الخليج" لا تقتصر على مجال النفط فقط، بل يعتبر أن السعودية والإمارات معنيتان بالتعاون المالي مع روسيا أيضاً. فالبيزنس الروسي والمسؤولون الفاسدون معنيون بشدة بمنطقة آمنة ليست خاضعة للعقوبات، حيث يخرجون الأموال من روسيا ويغسلوها. 

إضافة إلى ذلك، يقول الكاتب أن المفاوضات كان يجب أن تتوقف عند الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالتفصيل، لكنه يرى أن مصلحة موسكو تفترق هنا عن مصالح بلدان الخليج. 

كما ينقل الموقع عن محلل الشؤون النفطية Mikhail Krutikhin إقتناعه بأن تحسين صورته هي أهم ما حصل عليه بوتين من زيارة الشرق الأوسط. فهي المرة الأولى منذ زمن بعيد يخرج فيها بوتين بعيداً عن الجمهوريات السوفياتية السابقة ( والصين). فقد كان من المهم له أن يظهر انه ليس كل العالم يعتبره مجرم حرب، وأن مفعول مذكرة الجنائية الدولية ليس نافذاً في كل مكان. ويعتقد المحلل أن الجانب العربي المضيف كان مهتما بالدرجة الأولى باستيضاح النوايا الروسية الحقيقية بشأن العمل المشترك في مجال إستقرار سوق النفط. فقد وجه وزير النفط السعودي أكثر من مرة إنتقادات شديدة لغياب معلومات موثوقة من جانب روسيا، مما يعقد عمل أوبك + الفعال. فلم تكن المعلومات التي يقدمها الممثل الروسي عن حجم النفط المستخرج والمصدر تتطابق مع الحجم الحقيقي. 

موقع NEWS الروسي نشر يوم الزيارة نصاً تحدث فيه عن أهمية زيارة بوتين في ما يتعلق بالنفط ومجموعة بريكس و"العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا. كما تحدث عن زيارة الرئيس الإيراني لموسكو في 7 الجاري وإمكانية أن تلعب موسكو دور الوسيط في الحوار بين العرب والإيرانيين. 

أشار الموقع إلى أن الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف كان في عداد الوفد المرافق لبوتين في الزيارة. ونقل عنه الموقع قوله بأن زيارة بوتين تهدف لتعزيز العلاقات الأخوية القائمة بالفعل بين روسيا والشعوب العربية. 

وفي السياق تجدر الإشارة إلى أن بوتين، إضافة إلى قاديروف، إصطحب معه وفداً كبيرا ضم حاكمة البنك المركزي الروسي ‎Elvira Nabiullina ومسؤولين عن القطاع الزراعي والطاقة، بما فيها النووية، والصناعات البتروكيميائية. وفي حديث عابر مع وزير الزراعة السعودي، إقترح بوتين إقامة مصنع أسمدة زراعية سعودي روسي مشترك.

نقل الموقع عن Gevorg Mirzayan الذي يصفه بأنه إختصاصي بشؤون الشرق الأوسط (كاتب عمود في صحيفة الكرملين vz) قوله أن مفاوضات بوتين مع دول "جنوب الأرض" التي تنتمي إليها الدول العربية ضرورية ليس فقط لمناقشة قضايا سوق النفط والوضع في غزة، بل لمناقشة إنضمام الرياض وأبو ظبي إلى مجموعة بريكس أيضاً. والدول العربية، برأيه، معنية بالتعاون مع روسيا لأنه يستجيب لمصالحها، حيث أنها تلعب دوراً كبيرا في سوق النفط، تمدهم بالسلاح، تلعب دور صانع السلام في غزة وبوسعها أن تكون وسيطا في المفاوضات الصعبة مع إيران. 

رئيس مجلس تطوير منتدى " Valdai" ودعمه Andrey Bystritsky افترض للموقع أن البلدان العربية نريد إلتزام نهجها الخاص بها، ولذا هي بحاجة إلى عالم متوازن تلعب فيه موسكو دورا مهماً. وهي مستعدة في هذا السياق للتعاون البناء مع روسيا. والمفاوضات ضرورية لحل القضايا الرئيسية للعالم المعاصر، ولتبادل الآراء بشأن الصراعات الجارية. 

موقع actual comment الروسي نشر في 7 الجاري نصاً نقل فيه آراء عدد من الخبراء بشأن زيارة بوتين الشرق أوسطية. ينقل الموقع ما تداولته معظم المواقع الروسية الموالية للكرملين ما قالته Bloomberg الأميركية من أن الزيارة أثبتت فشل الولايات المتحدة في سياسة عزل روسيا. وفي هذا السياق، نقل الموقع عن Andrey Kortunov، المدير الأكاديمي للمجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC، قوله بأن لدى روسيا عدداً كبيراً من الشركاء في مختلف أجزاء العالم. والخليج هو إحدى المناطق التي "نستطيع" أن نبرز ذلك بصورة فعالة. 

الخبيرة بالشؤون الروسية في معهد واشنطن للسياسة الشرق أوسطية Anna Borshchevskaya نقل عنها الموقع قولها لصحيفة The New York Times بأن الغرب ينظر إلى روسيا كبلد "منبوذ". لكن هذه الزيارة تؤكد أن بوتين مرحب به في أماكن أخرى غير الغرب. وترى أن سياسة الكرملين الخارجية تجد صداها خارج الغرب. 

رئيس تحرير مركز Carnegie موسكو الذي يعمل الآن في برلين Alexander Baunov نقل عنه الموقع قوله بأن بوتين يحاول أن يظهر بأنه قادر على تجاوز العزلة، ويرحبون به في العواصم الصديقة للغرب. ومن المهم التحدث مباشرة مع زعماء السعودية والإمارات كي يكونوا أقل انصياعاً للضغوط الأميركية، ويرفضون الإنضمام إلى التكتل المعادي لروسيا. 

*المصدر: المدن