إذا صح أنّ المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين أبلغ بعض من اتصل به من المسؤولين اللبنانيين بأنّ مهمته الهادفة إلى ضمان خفض التوتر على الجبهة اللبنانية عبر اقتراح صيغة لتطبيق القرار الدولي1701 (إخلاء جنوب الليطاني من السلاح والمسلحين)، لا تشمل مسألة الانسحاب من منطقة مزارع شبعا المحتلة، فإنّها تكون المرة الثالثة التي يتم تسريب هذه المعلومة، المخيبة لآمال بعض المسؤولين والسياسيين اللبنانيين الذين فهموا من زيارته الأخيرة أنه سيتطرق إلى هذه القضية في وساطته مع إسرائيل.
المرة الأولى التي تسربت فيها هذه المعلومة كانت، حسب قول مصادر سياسية موثوقة، حين جرى اتصال بينه وبين نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب قبل أكثر من شهر، والذي سأله عما إذا كان طرح موضوع الانسحاب الإسرائيلي من منطقة مزارع شبعا في لقاءاته واتصالاته مع الحكومة الإسرائيلية، فجاء جوابه بالنفي. كان الوسيط الأميركي قال لمن التقاهم من المسؤولين حين زار بيروت أواخر شهر تشرين الأول الماضي، وخرج مرتاحاً من محادثاته معهم، إنه سيعرض على المسؤولين الإسرائيليين ما سمعه في لبنان. وكانت الحصيلة الأكثر وضوحاً في حينها ما تبادله من أفكار مع رئيس البرلمان نبيه بري الذي طرح عليه مسألة إظهار الحدود البرية اللبنانية الإسرائيلية بحيث تجري معالجة النقاط الست المتبقية من النقاط الـ13 المتنازع عليها بما فيها انسحاب إسرائيل من نقطة الـB1 عند رأس الناقورة، ومن شمال قرية الغجر وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا، ووقف إسرائيل خروقاتها الجوية والبرية والبحرية للقرار 1701 والتزام لبنان اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949... وانشرح هوكشتاين في حينها حين قال له بري «ونحن جاهزون»...
المرة الثانية كانت حين أوضح أحد الوسطاء الذين يعتمد هوكشتاين عليهم في الاتصالات التفاوضية غير المباشرة مع «حزب الله»، لا سيما قبل إنجاز ترسيم الحدود البحرية، أنه لم يسمع من هوكشتاين أنه سيتطرق إلى مسألة انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا.
الذين عولوا على مهمة هوكشتاين استندوا إلى ما هو مطروح بطريقة غير مباشرة في القرار 1701 حول مزارع شبعا الذي نص على أن يجري الأمين العام للأمم المتحدة اتصالات (المقصود بها إسرائيل وضمناً سوريا) لجس النبض حول تسلّم قوات الأمم المتحدة مزارع شبعا من قوات الاحتلال الإسرائيلي، ريثما يتم ترسيم الحدود رسمياً مع سوريا في شكل يحسم ملكيتها. فمطلب بري و»حزب الله» هو انسحاب إسرائيل من المزارع، على رغم أنّ الأمم المتحدة والقوى الدولية النافذة تعتبرها تحت ولاية القرار الدولي الرقم 242 الذي لا علاقة للبنان به كونه ينص على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة خلال حرب العام 1967 التي لم يشارك فيها لبنان، والتي كانت مزارع شبعا حينها في عهدة سوريا قبل أن تحتلها إسرائيل.
لم تجرِ رياح من علقوا الآمال على مخرج لمسألة انسحاب إسرائيل من المزارع، وفق ما تشتهيه سفنهم. وبالتالي فإنّ مسعى هوكشتاين في شأن صيغة تفكيك التوترات والصدامات الخطيرة الجارية على الجبهة الجنوبية عبر القرار 1701، معرض للفشل. فهؤلاء يرون أنه من دون حل لمسألة المزارع، يصعب الطلب إلى «حزب الله» سحب قواته إلى شمال الليطاني.
صحّت هذه العقبات أم لم تصح، ثمة عاملٌ آخر يضع مساعي الوسيط الأميركي أمام معضلة عملية وجوهرية، هي تأكيد الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله ما سبق للحزب ومسؤولين فيه ان سربوه، بأن لا تفاوض حول «الفرصة التاريخية» لاستعادة الأراضي اللبنانية المحتلة كافة، قبل انهاء الحرب على غزة. فما قاله نصر الله يعني أن الفرصة التاريخية مؤجلة في انتظار اتضاح ما سيؤول إليه القتال الجاري في غزة. وهذا يقطع الطريق حتى على بري والحكومة اللبنانية إذا توغلت في المفاوضات، حتى لو أبدى هوكشتاين استعداداً من أجل إثارة مسألة الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا. خلاصة هذا الشرط هو أن «الحزب» لن يسلم بمخارج تقفل مسألة الحدود البرية، وتحرمه من مواصلة الضغط العسكري على إسرائيل من جبهة الجنوب «إسناداً للمقاومة في غزة».
بالإضافة إلى كل ذلك، ثمة معطيات بأن بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية ليسوا متحمسين لوساطة هوكشتاين مع لبنان. ولهذا حديث آخر.
المصدر: نداء الوطن