كتب ديفيد هيل لـ"This is Beirut":
قد يترتب عن تعيين سفيرة أميركية جديدة في بيروت، أسلوب إداري جديد في السياسة الأميركية الخارجية في لبنان. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن السياسات توضع في واشنطن، وليس داخل السفارات. وبينما تستعد السفيرة الأميركية الموهوبة، ليزا جونسون، للاستقرار في لبنان، حان الوقت للتفكر في كيفية توجيه فريق واشنطن لمهامها في لبنان.
لبنان مهمّ
لقد قدّم لبنان والشعب اللبناني الكثير لهذا العالم وهما يمثلان قيمة جوهرية، ولكن أهميتهما الحقيقية بالنسبة لقوة عظمى مثل الولايات المتحدة، تنبع من الجغرافيا والديموغرافيا الخاصة. فلبنان يقع بين إسرائيل وسوريا مع كثافة سكانية متنوعة تعكس التيارات المتقاطعة وخليط الهويات في منطقة الشرق الأوسط. ويسهل تحوّل لبنان إلى ساحة للصراع الإقليمي ولصراعات الآخرين. وبالتالي، لا يمكن لعدم الاستقرار في لبنان أن يقتصر عليه. كما لا يمكن تحقيق الاستقرار في لبنان في منطقة مضطربة. لذلك، لا بد لأي إستراتيجية أميركية تهدف لتحقيق الاستقرار في المنطقة، أن تشمل العنصر اللبناني، ولا بد أن تستمد السياسة الأميركية تجاه لبنان من العنصر الإقليمي.
إيران لاعب رئيسي في الصراع الحالي في الشرق الأوسط وهي توشك على الفوز
لا داعي لتذكير سكان المنطقة بأنّ إيران ليست مجرد فاعل رئيسي في المأساة المستمرة في المنطقة، بل توشك على الفوز إذا استمر المسار الحالي. وهذا الواقع أقل وضوحاً في واشنطن. ومع ذلك، تواصل إيران تحديد وتيرة وأمكنة الصراع اليومي ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ولن تترك ردود الفعل الأميركية المنفصلة عن خطة اللعبة الشاملة للتعامل مع إيران، إلا تأثيراً محدوداً. وستستمر إيران بالسيطرة على أربع عواصم عربية: بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، حتى تعيد الولايات المتحدة وحلفاؤها تأسيس الردع ضدها ومتابعة نهج شامل لمواجهة النفوذ الإقليمي الإيراني. كما أنها ستعيث فساداً بأي استراتيجيات أميركية تهدف لمعالجة مصادر عدم الاستقرار، سواء بالنسبة للفلسطينيين أو اللبنانيين بالتوازي مع استخدامها وكلاءها الحوثيين لتعطيل حركة الشحن العالمي. لقد دخل حزب الله بالفعل في الحرب بين إسرائيل وحماس؛ وإذا تصاعد تورطه إلى حرب شاملة، فلن يهدف ذلك لخدمة مصالح الشعب اللبناني، بل سيصب في مصلحة النظام الإيراني.
الولايات المتحدة سعت للخير في لبنان
يدخل دعم القوات المسلحة اللبنانية والجهود الدبلوماسية من أجل تمكين استكشاف واستغلال موارد الطاقة البحرية في لبنان، والاستثمار طويل الأمد في التعليم، ضمن المساهمات الأميركية التي تهدف لمساعدة جميع اللبنانيين على تحقيق الأمن والازدهار. وينبغي على الولايات المتحدة التمسك بالمشاركة في هذه الأنشطة ومثيلاتها، ولكن الشكوك تتزايد في واشنطن- وتحديداً في الكونغرس- حول جدوى هذه الاستثمارات. وبغية الحفاظ على الشراكة الأميركية، لا بد من دعوة اللبنانيين للقيام بدورهم أيضاً من خلال العمل بنشاط من أجل استعادة سيادتهم.
العودة إلى الأساسيات
تخلت الولايات المتحدة في مرحلة ما، عن الجهود الجدية الرامية لتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 (2006) بشكل كامل. وعلى الرغم من استمرار دعم واشنطن الخطابي، لم تكن هناك حملة دبلوماسية حقيقية لمتابعة الأجزاء الأصعب: منع الانتشار المسلح لحزب الله جنوب نهر الليطاني ونزع سلاح الحزب في نهاية المطاف. وسيكون استئناف التقدم في هذا المسار طويلاً وشاقاً ولا ينبغي أن يتم من خلال التهديد بالعمل العسكري. ومع ذلك، فإنّ غياب أي جهد لإنهاء الأمور العالقة بالنسبة لتنفيذ هذا القرار هو الطريقة الأضمن لزيادة خطر الصراع المتصاعد بين لبنان وإسرائيل.
سيادة الدولة والتفاضلية
في ظل تركيبة السلطة في لبنان ـ وسيطرة حزب الله السياسية المستمدة من أسلحته ـ يصعب حدوث تطور دون ضغوط خارجية. وسيتطلب الأمر بذل جهد جدي من جانب الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والدول الأخرى ذات التفكير المماثل، من أجل دعم معارضي إيران وعزل حلفاء طهران المباشرين وغير المباشرين في لبنان. وتنبغي كذلك ممارسة الضغوطات لتمكين مؤسسات الدولة اللبنانية من السيطرة على حدود لبنان ومرافئه ومطاراته. وفي هذا السياق، قد تكون العقوبات ضد الأفراد الذين يشكلون عقبات فعّالة، ولكن هذا النهج لا بد وأن يندرج ضمن خطة أكبر لمواجهة نفوذ إيران الإقليمي. وفي نهاية المطاف، لا يمكن التعامل مع قبضة إيران على لبنان إلا من خلال الضغط على طهران، وليس في بيروت.
التركيز على تخفيف حدة الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان
تنصل الزعماء اللبنانيون من المسؤولية من خلال تبني فرضية زائفة مفادها أنّ الإصلاح غير ممكن دون رئاسة وحكومة فاعلتين. وفي الوقت نفسه، لا يعاني الشعب اللبناني من مستويات متدنية جديدة من التدهور فحسب، بل تنزلق البلاد باتجاه السوق السوداء والاقتصاد النقدي المدولر. وهذا السياق مثالي لازدهار حزب الله وسواه من الجهات الفاعلة السيئة. ويمكن لمصرف لبنان المركزي وهيئة التحقيق الخاصة، لعب دور فعال في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب من العقوبات بفضل قيادة جديدة. ويبذل أقصى جهد لمساعدة السلطات اللبنانية على معالجة هذه المسائل في صلب المصلحة الأميركية. ونظراً لحالة الطوارئ الحالية، يمكن اتخاذ تدابير عاجلة أخرى لاستعادة الثقة في العملة والقطاع المالي اللبناني حتى بدون رئيس. وينبغي توجيه النفوذ الأميركي باتجاه تطبيق ذلك كمهمة أولوية لجميع المهتمين بالاستقرار في لبنان.
حجة الشغور الرئاسي
يؤدي الشلل السياسي في لبنان كل ستة أعوام، إلى شغور في رئاسة الجمهورية. وتمثل هذه المشكلة أحد الأعراض، وليست سبباً بحد ذاتها، للخلل الوظيفي الأساسي في البلاد. ومن غير المرجح أن يتمكن اللبنانيون في السلطة من معالجة أسبابها الجذرية، وبغياب مبادرة لبنانية، لن تتمتع الجهات الفاعلة الأجنبية بالشرعية أو بالوسائل اللازمة لتحقيق إصلاح سياسي عميق. ويفاقم الشغور بحد ذاته من مشاكل لبنان من خلال تجميد العملية السياسية برمتها وحجب التمثيل الماروني. ومع ذلك، تميل واشنطن وباريس للتركيز على ملء الشغور دون إدراك التكلفة الكبيرة التي قد تتأتى عن القيام ذلك بأي شكل من الأشكال. وكلما عبّر الغرب عن امتعاضه من الفراغ، كلما زادت قدرة العناصر الموالية لإيران والتي تعرقل الحل، على رفع ثمن التفاوض. ولا يؤدي النشاط الدبلوماسي العلني الذي يقوم به الدبلوماسيون الأميركيون دون نتيجة إلا إلى تفاقم المشكلة؛ ويتعين على الولايات المتحدة الاستمرار بمساعدة اللبنانيين على حل المأزق، ولكن في سياق الدبلوماسية الهادئة التي تكتسب فعالية أكبر من الخطابات السياسية الخارجية.