"الخماسية" وهوكشتاين وإيران: الحرب تغيّر موازين الرئاسة؟

فرضت المواجهات في الجنوب بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، إيقاعاً مختلفاً لكل التحركات السياسية والديبلوماسية على الساحة اللبنانية، أو المتصلة بها. يوجب هذا الإيقاع الربط بين كل الملفات والاستحقاقات ببعضها البعض، فتصبح متشابكة ومتداخلة ولا يمكن معها النقاش لحل مشكلة من دون الأخرى. بذلك غدت كل الاستحقاقات في حالات انتظار لمصير الحرب على غزة، بغض النظر عن التحركات التي يشهدها الداخل اللبناني أو الخارج، ديبلوماسياً، إن لجهة تحرك السفراء الخمس، أو التحضير لاجتماع خماسي، أو زيارات وزراء خارجية أوروبيين، أو انتظار أجواء من المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوشكتاين، عن تحركاته على خط تخفيف التصعيد العسكري وترسيم الحدود البرية.

الخماسية والمواصفات
تقدّم تحرك السفراء الخمس على غيره من الملفات المترابطة، على الرغم من استمرار المواجهات في الجنوب، والتي أصبحت شبه روتينية. في السياق، لا بد لهذا التحرك أن يكون مرتبطاً بسياقات أخرى، إذا كان السفراء الخمس يعملون على تحضير الأرضية الداخلية حول مواصفات رئيس الجمهورية وتكامل بين الرئاستين الأولى والثالثة. وبما أن ممثلي الدول الخمس المندوبون الذين يجتمعون دورياً، يهتمون بتحديد مواصفات وضرورة الاتفاق على موقف موحد، وتحديد موعد الاجتماع الذي لا بد أن يخرج بمقررات واضحة. فذلك لا ينفصل عن تحركات هوكشتاين الذي يسعى إلى خفض التصعيد وتثبيت ترسيم الحدود لاحقاً، وبما يرتبط بالبحث في القرار 1701. وهذا ما يواكبه تحرك وزراء خارجية دول أوروبية إلى بيروت، آخرهم وزيرا خارجية إسبانيا وإيطاليا، للبحث في تكريس الاستقرار وطرح كيفية تثبيته مستقبلاً، إنطلاقاً من دور الجيش اللبناني وتعزيز دور قوات اليونيفيل.

وعليه، أصبح كل طرف أو جهة أو مجموعة تركز على ملف معين، وحتماً كلها ستوضع في النهاية بسلة واحدة. ففي سياق الدراسات التي يجريها هوكشتاين حول الوضع في الجنوب، تتواصل المباحثات بين أعضاء الدول الخمس حول التصور الذي يجب الخروج به لانتخاب رئيس للجمهورية. واللقاء الخماسي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري تأجل إلى الأسبوع المقبل لأسباب لوجستية وتقنية، وتضارب في مواعيد بعض السفراء. لكن أيضاً، لم تصل الدول الخمس إلى تقديم رؤية مشتركة وموحدة حول الرئيس. في هذا السياق، لا يزال البحث مستمراً حول موعد انعقاد اللقاء الخماسي على مستوى المندوبين. وبحسب المعلومات، فإنه في حال عقد الاجتماع فسيكون في الرياض، ولكن بشرط أن يتم الخروج بعده بمقررات واضحة وعلنية حول مواصفات الرئيس والبرنامج الذي يجب الإلتزام به مع الحكومة، على أن تكون المواصفات واضحة وغير خاضعة للتأويل أو التفسير. هنا ثمة من يشير إلى أن المواصفات ستنطبق على اسم قائد الجيش جوزيف عون.

ديناميكيتان
قبيل الوصول إلى هذا الاجتماع، يبرز في الكواليس السياسية حديث عن الأسماء، من بينها اسم قائد الجيش، واسم مدير عام الأمن العام اللواء الياس البيسري، واسم وزير الخارجية السابق ناصيف حتي. بالإضافة طبعاً إلى اسم سليمان فرنجية المطروح من قبل حزب الله وحركة أمل. بعض التحركات الأخيرة أعادت إحياء ترشيح سليمان فرنجية، سواءً من خلال تحركه وزياراته ولقاءاته، أو من خلال كلام رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وصولاً إلى موقف وليد جنبلاط الذي قال إنه لا يمانع انتخابه. هذه التطورات تخلق ديناميكيتين. الأولى داخلية، وهي ربما في حال استمرار برّي وحزب الله على موقفيهما بدعم فرنجية، ستكون مواجهة للديناميكية الخارجية التي تسعى الدول الخمس إلى العمل ضمنها، وهي المواصفات التي تقود إلى انتخاب رئيس مقبول من غالبية اللبنانيين.

ما يرجح كفة إحدى الديناميكيتين، هو المسار التفاوضي حول الوضع في الجنوب وترسيم الحدود، إلى جانب أي تطورات قد تطرأ على خط العلاقات الأميركية الإيرانية، خصوصاً في ظل تنامي المواقف التي تشير إلى ضرورة اشراك إيران في الإجتماع الخماسي، أو المناقشة والتواصل معها، وإن من دون مشاركة رسمية في الخماسية. وهذا ما حصل أيضاً من قبل الديناميكتين. إذ أن بري التقى السفير الإيراني، الذي التقاه أيضاً السفير السعودي في بيروت.

لا شك أن موقف جنبلاط قد يعبّر عن تحول، وهذا ما سيدفع البعض إلى القراءة في خلفيات ما قاله الرجل الذي لبى دعوة السفير الإيراني على عشاء في السفارة الإيرانية. فهل يلتقط الرجل إشارات تفيد بإمكانية الوصول إلى تقاطع إيراني أميركي ينتج فرنجية رئيساً، كما أنتح ميشال عون في العام 2016؟ إلا أن هذا الجو يتعارض مع أجواء الدول الخمس وما يحكى من قبل ممثليهم عن مرشح ثالث. هنا تعود التقييمات لتتضارب، بين من يعتبر أن حزب الله وحركة أمل سيكونان منفتحين على النقاش بالمرشح الثالث ضمن سياق واسع لكل الملف اللبناني، وأن الوقت وضغط الأزمة سيكون كفيلاً بذلك.. في مقابل تكون وجهة نظر أخرى تعتبر أن حزب الله يصمم على تكرار تجربة ميشال عون مع فرنجية، وسيتشدد أكثر بدعم ترشحه، وهذه المرة إلى جانبه نبيه برّي وليس على نقيضه.
في السياق، تبقى اللعبة لعبة وقت وصبر وحسابات تمر من الناقورة إلى مزارع شبعا، وما بينهما واشنطن وطهران. 

المصدر: المدن