الدستوري عن الطعن بالتمديد: "اللا قرار" سقطة سياسية!

ليست المرة الأولى التي يعجز فيها المجلس الدستوري الحالي عن اتخاذ أي قرار في شأن الطعن الذي طرح أمامه لإبطال قانون التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، فبات القانون نافذاً على أصله وكما صدر. وعلى رغم من مجموعة المخالفات التي يمكن الأخذ بها فقد ترجم المجلس بتركيبته الحالية ألوانه الحزبية والطائفية، وهو ما عُدّ سقطة سياسية ثانية بفارق عامين وشهر تقريباً.


بعد ساعات قليلة على إعلان عجز المجلس الدستوري عن اتخاذ أي قرار في شأن الطعن الذي تقدّم به نواب من تكتل «لبنان القوي» لإبطال القانون الرقم 317 / 2023 الخاص بتمديد سن تقاعد العماد قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية الصادر في 21/12/2023، فضّل عدد من رجال القانون والدستور عدم التعليق على ما جرى في شكله ومضمونه وتوقيته نظراً إلى ما كان مُحتسباً منذ اللحظة الأولى التي شكّل فيها المجلس الدستوري، ولو على مراحل عدة.

ولكن على رغم من هذه الأجواء وبمعزل عمّا رافق الاجتماعات المتلاحقة للمجلس وطريقة توزّع المواقف، فقد تولى مرجع دستوري تفنيد القرار من جوانبه المختلفة، فتوقف أمام ما يعنيه انّ المجلس لم يتمكن من اتخاذ أي قرار، فلفت إلى أنّ حالة «اللاقرار» تعني أنه وفي اللحظة التي يجب أن يصدر فيها القرار لم تتوافر أصوات 7 من أعضائه وقد توافقوا على مضمونه كحد أدنى من أصل أعضاء المجلس العشرة، وهو ما يترجم بـ»عجزه» عن اتخاذ أي قرار، وفي هذه الحالة يصبح القانون المطعون فيه والمطروح عليه نافذاً كما أُقرّ في المجلس النيابي.
وهذا ما حصل بالأمس - قال المرجع - وهو أمر تكرر للمرة الثانية في ولاية المجلس الحالي. ففي 21/12/2021 عجز المجلس عن اتخاذ قرار بالطعن الذي قدمه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رفضاً منه لِما أُقرّ في شأن «تعديل قانون الانتخاب» بعدما كان ردّه إلى المجلس النيابي وجاء رد المجلس عليه في حينه، بأن أقَرّه بأكثرية 59 صوتاً واعتبرت الأكثرية المطلقة 59 صوتاً فيما يجب أن تحتسب بـ 65 صوتاً قياساً على عدد النواب الذين يتكوّن منهم مجلس النواب قانوناً وهو 128 نائباً.
وما تم في حينه أنّ رئيس المجلس نبيه بري احتسب هذه الأكثرية على أساس عدد النواب الأحياء مُتجاهلاً عدد المتوفين والمستقيلين، علماً أن ما حصل في حينه يعتبر مخالفة دستورية. ويومها، ولمّا طعن عون بالقانون، لم يتمكن الدستوري من اتخاذ أي قرار ولم يقدم تفسيراً واضحاً للمادة الدستورية المتعلقة بالطعن. وعليه، اعتبر ما حصل أمس تكراراً للموقف عينه، وهو ما عَدّه المرجع الدستوري سابقة إضافية في ولاية المجلس الحالي. ذلك أنه ومنذ مباشرة عمله في 30 تموز 1994 لم يعجز المجلس وحتى العام 2022 عن اتخاذ مثل هذا القرار في شأن أي طعن طُرح عليه.

ولدى سؤال المرجع: هل هي المرة الأولى؟ وكيف يمكن تفسير ما نحن في صدده اليوم؟ أجاب: «عادةً ما يقع الخلاف في المجلس حول وجهات نظر قانونية ودستورية، وفي مثل هذه الحال كان على رئيسه أن يؤدي دوراً لفض الخلاف بين مواقف أصحاب التفسيرات المختلفة بنحوٍ يوصِل المجلس إلى اتخاذ قرار. ولكن ما حصل هذه المرة هو أن المشكلة لم تحل، فانقسامه سياسي ولم يكن دستورياً. وأنا من بين ما كنّا نتوقع ذلك منذ تقديم الطعن، وقلنا يومها أن تركيبة المجلس ستؤدي إلى انقسامه خمسة مقابل خمسة، ولم نخطئ ان صحّت التسريبات أنه انقسم على هذا الاساس، وفي أفضل الحالات كنّا نتوقع هذه الانقسام بمعادلة 6 مقابل 4.
وعندما قيل للمرجع أنّ ما حصل جعل الملف مُنتهياً، أجاب: عملياً القانون بات نافذاً كما صدر، وأنّ ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون مدّدت لسنة وحتى 10 كانون الثاني 2025، ومعه ولاية المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي تنتهي ولايته الحالية من تاريخ الإحالة إلى التقاعد في أيار المقبل، ومعهما المدير العام للأمن العام اللواء إلياس البيسري الذي ستمدد ولايته عاماً إضافياً فور نهاية الحالية، فالقانون مدّد للقادة الثلاثة معاً.
ولدى سؤاله: ما الذي كان يمكنه القيام به لو كان مكان المجلس الدستوري اليوم؟ أجاب المرجع: «لو كان لي رأي في ما هو مطروح اليوم على المجلس الدستوري، كان علينا أن نتفق على ما فيه من مخالفات دستورية فاضحة. والسبب يعود إلى مجموعة الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها النواب الذين صاغوا القانون لافتقار المجلس إلى مُشرّعين ودستوريين. وكان يمكن أن يُصاغ هذا القانون بطريقة مختلفة من دون أي مخالفة كأن يَتجَنّب واضعوه من النواب أي إشارة إلى عبارة «استثنائية». ومن دون أي إشارة إلى «رؤساء الأجهزة الأمنية» فيقال في عبارة واحدة الآتي: «يحال إلى التقاعد الضباط الذين هم برتبة لواء عند بلوغهم سن الستين، (هم قالوا اليوم عند بلوغهم الـ 59)، ويُحال الضباط الذين هم برتبة عماد إلى التقاعد عند بلوغهم سن الواحد والستين»، لا أكثر ولا أقل.

وهكذا، وبهذه العبارات القليلة - استطرد المرجع - يضاف إلى كل منهم سنة كاملة من دون الإشارة إلى عبارة «استثنائية». وعليه، كيف يمكن الحديث عن ظرف استثنائي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي الذي شمله التعديل يُحال إلى التقاعد في خلال الاشهر المقبلة؟ وكيف يمكن أن يترقّب أحدهم مثل هذه الظروف الاستثنائية قبل الوصول إليها؟ ومن قال إنه لن يكون للبلاد رئيس للجمهورية في ذلك الوقت؟ كما أنّ القانون ضرب «مبدأ المساواة» ذلك أنّ هناك عدداً من الضباط برتبة «لواء»، وجاء القانون ليتجاهلهم عندما حصر التمديد بقادة الأجهزة فقط من دون غيرهم من رُتبهم.
ولمّا قيل للمرجع: بعد «ضرب مبدأ المساواة وترقّب حالة استثنائية بطريقة مبكرة» هل من طريقة للمعالجة بعد ما حصل؟ أجاب: «ليس هناك من يحاسب فقرارات المجلس الدستوري نافذة وملزمة لكل السلطات في الدولة، وصار القانون نافذاً وانتهت القصة». أضاف: «ما هو ضروري أن يدرك الجميع أنّ أساس المشكلة هو الارتجال في سَن القوانين في المجلس النيابي من دون استشارة أحد. حتى أن قانون الموازنة الذي أُقر قبل أيام قابل للطعن أيضاً ولو استشير أصحاب الاختصاص من الحياديين والمستقلين لما حصل الوقوع في مثل هذه المطبّات».
وفي ختام الجلسة الدستورية طرح المرجع السؤال حول تركيبة المجلس التي دفعَته إلى ترقّب ما حصل، وقال: «عند تشكيل المجلس الحالي سمّى الثنائي الشيعي العضوين الشيعيين، وسمّى الرئيس سعد الحريري العضوين السنيين، وتكفّل جنبلاط باسم العضو الدرزي، وتفرّد الرئيس عون وجبران باسيل بالأعضاء المسيحيين الخمسة».

المصدر: الجمهورية