مرّة جديدة يُعاقَب الصحافيون تحت شعار "القدح والذم" في بلد الحرّيات، نتيجة قيامهم بعملهم الصحافي والاستقصائي، الذي غالباً ما لا يكون محطّ إعجاب المسؤولين أو أحد النافذين في الدولة، فيتقدّم بدعوى أمام النيابة العامة التمييزية بدل محكمة المطبوعات المخصصة لمثل هذه الدعاوى، في بلدٍ يُخرَق فيه القانون بكلّ عارٍ تحت شعارات رنانة ومقولة "ما حدا فوق القانون".
رياض طوق الصحافي الاستقصائي، قدّم هذه المرّة مستنداتٍ وأدلةً متهماً القاضي صبّوح سليمان، وموثقاً تحويله الأموال إلى سويسرا في العام 2020، ما دفعَ بسليمان إلى تقديم دعوى قضائية ضدّ طوق، الذي مَثُل أمام المباحث الجنائية، في قصر عدل بيروت، رافعاً المستندات الرسمية ومؤكداً أنّ اتهامه لا ينطوي على قدحٍ وذم، بل هو اتهام مشروع قائم على الأدلّة والبراهين الملموسة.
طوق وأثناء خروجه من الاستجواب، تحدّث عن "كمين" نصبه القاضي المدعي والضابط المحقق، موضحاً لمنصّة "بلوبيرد لبنان" أنَّ السبب يعود إلى نوع الأسئلة التي طُرحت عليه، والتي كان من الواضح جداً أنّها تمّت بالاتفاق بين الطرفين، كما اقتحام المدعي جلسة الاستجواب، وهو أمر غير قانونيّ، بهدف استدراجه إلى خرق القانون بدوره، ما لم يتدارك الأمر حينها"، علماً أنَّ طوق رفضَ الإجابة على جميع الأسئلة، مصمماً على أنَّ المباحث الجنائية ليست المرجع الصالح لاستجواب الصحافيين واستدعائهم.
ولفتَ طوق إلى أنّه "أثناء استماع المباحث الجنائية المركزية لإفادته، بالدعوى المقدمة، دخل القاضي سليمان بصورة مفاجئة إلى الغرفة، وما لبث أن بدأ هو التحقيق معه، بالرغم من وجود المحقق والوكلاء لطرفَيِ النزاع، وهو واحدٌ منهم. وتطرّق إلى سؤاله عن المستندات التي يمتلكها طوق"، الأمر الذي اعتبره وكلاء طوق القانونيون، مخالفًا للقوانين مرعية الإجراء وخارجًا عن المألوف، وعبروا عن امتعاضهم، من هذا التصرف. إذ لا يجوز للمدعي نفسه أن يحقق مع المدعى عليه.
طوق كشفَ عن أنَّ المصرف الذي حوّلت إليه الأموال لا يفتح حسابات إلّا إذا كان المبلغ ما بين 500 ألف دولار ومليون يورو، وبالتالي أن يكون قاضٍ لبنانيّ لديه القدرة على فتح حساب بهذا المبلغ، يثير علامات استفهام، وهو ما يدعو إلى المساءلة، مؤكداً استمرار عمله الاستقصائي بشكل طبيعيّ ومكثّف، خاصة في ملف القاضي صبوح سليمان، مشدداً على أنّه يجب أن يُحاسب على تحويل أمواله إلى سويسرا، وهو القاضي المسؤول عن ملف تبييض الأموال في النيابة العامة التمييزية وعن تحويل الأموال إلى الخارج.
وفي السياق، سردت المحامية جوزيت يمّين وقائع جلسة استجواب طوق، مشيرةً إلى تجاوز "فاضح" للقانون تمثّل باقتحام المدّعي القاضي صبّوح سليمان قاعة المحكمة، مخاطباً طوق بعباراتٍ مستفزّة وهمجية، في حين أنَّ الأخير لم يردّ على كلام القاضي، إلّا حين توجّه إليه بالقول: "مَن يحفظ لي كرامتي؟"، ليُجيب طوق: "لم تهتم لكرامة شهداء انفجار المرفأ عندما أصدرت قرار تعليق مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة عن المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بحقّ الوزير السابق يوسف فنيانوس".
"يجب أن يتضمّن المحضر هذه تفاصيل بأكملها، ويدوّن إدلاءات المدّعي الذي رفضَ بدوره"، بحسب يميّن، ما دفعها إلى اتهامه بالتزوير مهددةً بتقديم شكوى ضده، إلّا أنه بعد فض الخلاف تمّ تدوين المحضر بالوقائع، أي حضور القاضي الجلسة إنما دون التطرّق إلى إدلاءاته، وفق تعبيرها.
وبانتظار عودة القاضي غسان عويدات من السفر بعد إحالة الملف إلى محكمة المطبوعات للبت بها، تقول يمّين إنّه من "الممكن أن تحفظ هذه الشكوى وتنتهي، أو أن تتم إحالتها إلى النيابة العامة الاستئنافية في بيروت للادّعاء أو الاطلاع".
يبقى أنَّ مشهدية قصر عدل بيروت تعكس سياسة القمع التي يقوم بها هؤلاء، بمواجهة حريّة إبداء الرأي والتعبير التي تقوم عليها مهنة المتاعب ويعتنقها الصحافيون.