أحيت القوات اللّبنانيّة في منطقة زحله ذكرى شهدائها، في قداس احتفالي حمل عنوان "ع دروب المجد"، رأسه راعي أبرشية الفرزل، زحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران إبراهيم إبراهيم في مقام سيدة زحلة والبقاع.
وحضر القداس الذي خدمته "كشافة الحرية، فوج زحلة"، إلى راعي أبرشية زحله المارونية المطران جوزف معوض، راعي أبرشية زحلة والبقاع للسريان الأرثوذكس المطران مار يويستينوس بولس سفر، راعي أبرشية زحلة، بعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس المتروبوليت أنطونيوس الصوري، النائبان جورج عقيص والياس إسطفان، الوزير السابق إيلي ماروني، النائبان السابقان طوني أبو خاطر وجوزف معلوف، رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف، رئيس بلدية زحلة المعلقة وتعنايل أسعد زغيب، لفيف من الكهنة، عضوا الهيئة التنفيذيّة بشير مطر وميشال التنوري، الأمين المساعد لشؤون المناطق جورج عيد، منسق منطقة زحلة في القوات آلان منيّر، المنسقان السابقان ميشال فتوش وطوني القاصوف وزوجة المنسق السابق عادل ليون منى ليون، رؤساء أجهزة ومراكز وحشد من الفاعليات السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية.
بعد أن تلا المطران معوض الإنجيل المقدس، ألقى المطران إبراهيم العظة وهذا نصها: "إن شهداءنا ثروتنا، فإن كانت زحلة مدينةُ الكنائس، فإنها دون أدنى شكٍ مدينة الشهادة والشهداء أيضاً. هذا إرثٌ نمى مع نشأة هذه العروس الساحرة وصار جزءاً لا يتجزأ من تكوين شخصيتها وهويتها. تُرابها مجبول بدم شهدائها لذلك صار أثمن من الذهب. الشهادة عندنا ليست حدثاً منفصلاً بفرادته، بل هو حالةٌ مشتَركة بين أصحاب القضية والعقيدة والإيمان والشرف والأرض والوطن الواحد. إنها جزء من جيناتنا، نتوارثها من جيل إلى جيل فتسري في شراييننا دمٌ حارٌ وحُرٌّ يغذي قلوبنا ويصفّي عقولنا.
وتابع: "كثيرون منا يُعطون من مالهم ووقتهم، لكن قِلَّةٌ هم أولئك الذين يقدمون أنفسهم ذبيحةَ فداءٍ عن غيرهم على مذبح الوطن. هذا ما يجمعنا في هذه اللحظة العظيمة لنستذكر شهداءنا الذين قدموا أرواحهم فداءً عن زحلة، فداءً عن قِيم الحُرية والكرامة والعدالة التي لا تقبل المساومة، فداءً عن لبنان، الوطن الذي يستند على أسس الديمقراطية وحُكمِ القانون واحترامِ حقوق الإنسان. شهداؤنا، هم قُدوة لنا جميعًا، رمزٌ للتضحية والإخلاص، وعبرةٌ تدعونا للثبات والصمود في وجه الاستبداد والطغيان والتحديات والمحن".
وأضاف: "شُهداؤنا، يا إخوتي، تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ جبروته. لبسوا القداسة سلاحاً كاملا. صلوا من أعماق أنفسهم لسيدة النجاة وسيدة الزلزلة ومار مارون ومار شربل والمكرم بشارة أبو مراد، وكانت عينُ سيدة زحلة والبقاع ساهرةً معهم على مدينتهم. حاربوا أجناد الشر حتى الموت والشهادة".
وقال: "كانوا نورا يبدد ظُلْمَةَ هذَا الدَّهْر. زُرعوا في الأرض أجساداً فانية فنبتوا في السماء أرواحا خالدة. قَدَّموا أنفسهم فِداءً عن زحلة وانضموا إلى من سبقوهم من الزحليين الأبرار حتى صارت لنا زحلةٌ سماويةٌ شفيعةٌ لمدينة أرضيةٍ تمنطقت بالحق والصلاة وحملت تُرسَ الإيمان وسيف الروح وخوذة الخلاص".
وأردف "بشهدائنا البواسل صارت زحلة مَلحمةَ أمجادٍ وبطولات، أُنشودةً أنغامُها فِداء، وتاريخاً يزهو بجباه عاليات. شهداؤنا أبَوا السلاسل فاعتنقوا الحرية وعانقوها، حفروها في وجداننا حروفا لا تُمحى ودروساً خالدات ووشمَ صليب الانتصار الذي لا نتفاخر إلاَّ به".
ولفت إلى أن "شهداءنا ارتقَوا أضواءَ قيامةٍ نحو السماوات لتروي قِصَصَهُم أجيالٌ لأجيالٍ. إنهم فخرنا والاعتزازُ والعزمُ ودربُ الحق الذي لا يسلكه إلا المرتقون والمستنيرون. إنهم أصحاب القلوب الراسخة والعزائم الصلبة، الذين حملوا في قلوبهم الشوق للعدالة والسلام".
وقال: "لنجدد اليوم العهد مع شهدائنا، بأن نبقى أوفياء لذكراهُم، فنحملَ شُعلَتهُم ونواصلَ النضال من أجل تحقيق الأهداف التي ضحوا من أجلها، ولنعمل بكل قوتنا وعزيمتنا لبناء وطن يستحق تضحياتِهم، ويحقق أماني شعبنا في العيش بكرامة وسلام. كما نجدد العهد بالوقوف إلى جانب عائلاتهم، مع التزامنا الدائم بالحفاظ على رموزهم الوطنية المقدسة، من أجل بناء وطنٍ يسوده العدل والاستقرار والازدهار، تحت راية الوحدة والتلاحم والتضامن".
وطالب ببقاء ذكرى الشهداء حية فينا، قائلاً: هم ليسوا مجرد روايةٍ تُروى، بل هم شُعلة تنير درب السيادة والكرامة للأجيال القادمة. إنهم رمز الصمود والإباء، يرفعون رؤوسهم عالياً ويقولون بصوتٍ واحد: ونحن هنا، نحن شهداء زحلة، نحنُ شهداءُ الحق والعدالة، ولن يمحونا الزمن ولن ينسانا التاريخ".
وختم: "أحيّي راعي المناسبة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع كما أحيي أهالي الشهداء وعائلاتهم وعموم الزحليين، وأختم بنشيد الانتصار: المسيحُ قام! حقا قام".
كما تلا النواب عقيص، إسطفان، المعلوف، وأبو خاطر.
عقب القداس ألقى رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع كلمة استهلّها بالترحيب بسيادة المطران والأساقفة والكهنة، وأصحاب المقامات والمواقع الرسمية، والرفاق والأصدقاء والأحبّاء، ثم قال: " وما أكثرهم في زحلة: في الراسية، مار مطانيوس، سيدة النجاة، مار الياس، مار مخايل، مار جريس، حوش الأمرا، كسارة، بقاع الريم، وادي العرايش، البربارة، عين الذوق، الميدان، حوش الزراعنة، الحِمّار، الصخرة، المعلّقة وحيّ السيدة، وما أكثرهم أيضاً في قرى البقاع الشرقي وقرى جوار زحلة، قرية قرية، شارعاً شارعاً.
ما أكثركم، ما أحلاكم وما أوفاكم".
وأكد رئيس القوات "أننا نلتقي السنة ككلّ سنة كي نتذكر شهداءنا، والأهمّ لنتذكر شهادتهم التي أبقتنا مغروسين في هذه الأرض مثل الأرز الشامخ، مع حريّتنا الكاملة، وكرامتنا غير المنقوصة".
وأردف: "وللذكرى فحسب، سوف أقرأ لكم مقطعاً صغيراً من مذكّرات أحد الرفاق الذين رافقوني في زحلة فترة المعركة: السّيرُ على الثلجِ كان شاقّاً وكانَ الشّبابُ يحمِلونَ على ظُهورِهِمْ ما أمكنَ من الإمداداتِ بالسِّلاحِ والذّخائرِ والمُؤَنْ.
وفي الطريقِ وجدْنا رفيقَينِ مُجمَّدَيْنِ تَماماً مِنْ جَرّاءِ الصَّقيعِ:
فؤاد نمّور وجورج نخلة.
فجأةً، عندما وصَلْنا الى منتصَفِ الشيرِ، بدأتَ تنهمِرُ علينا القذائفُ من الراجِماتِ، وكُنّا نرى مصدَرَ انطِلاقِها من جِهَةِ تمركُزِ مواقِعِ جيشِ الاحتِلالِ السورِيِّ في السَّهْل. كانَ القصفُ ينهمِرُ علَيْنا مِثْلَ المَطَرِ، فاستُشهِدَ قائدُ ثُكْنَةِ اللقلوق نجا الخوري ومرافِقُ الدكتور جعجع نبيل رحمه. بعدَ وُصولِنا الى زحلة، جمَعَنا الحكيم وطَلَبَ مِنّا أنْ نرتاحَ قليلاً بعدما كانَ أَبلَغَ القيادةَ بوصولِنا الى زحلة.
وانطلَقَ في جولةٍ مع آمري المجموعاتِ لتعريفِهِمْ إلى الجبهَةِ. وإذْ بِهِ يعودُ مُسرِعاً ويطلَب مِناّ أنْ نتجمَّعَ في باحَةِ المدرسةِ . وأبلَغَنا أَنَّهُ تلقّى بَرقيّةً من القائدِ العام للقوات اللبنانية بشير الجميّل تتضمّنُ معلوماتٍ موثوقةً عن قيامِ القواتِ السوريةِ بإِنزالٍ على جبهةِ الشَّمالِ في محاولةٍ لإِحداثِ اختراقٍ ما، ويطلُبُ فيها من المجموعة التي توجَّهَتْ الى زحلة العودةَ فوراً قبلَ تنفيذِ العمليّة وإِحداثِ ايِّ خرقٍ في جبهةِ الشَّمال.
انطلاقاً من هنا، شدّد جعجع على أنه لا يمكن أن "يصير شي من ما شي بهالدني"، والدليل ما حصل معنا في زحلة، وبالتالي هذه صورة صغيرة جداً تعكس ما شهدناه في أرجاء زحلة كافة وتضلّ زحله حرّة شامخة ما بتنطال".
ولفت إلى أن "الشرق الأوسط ما زال منطقة "متوحّشة"، إذ قد يحاول في أي وقت من الأوقات، الكبير أو الأقوى فيه القضاء على الأصغر أو الأضعف، كما شهدنا في السنوات العشر الأخيرة في سوريا وكما نرى حالياً ما يحصل في غزّة. من هنا، تأكّدوا لو لم يكن شعبنا صلباً وشجاعاً وعلى كامل الاستعداد للشهادة حينما تدعو الحاجة عبر التاريخ، "لكان صار فينا متل ما صار بغيرنا بالدول المجاورة، وكنّا هلّق، لا سمح الله، صرنا بخبر كان". "فالمجدُ والخلودُ لشهدائِنا الأبرار الذين أتاحوا لنا أن نبقى ونستمر كما نحب: بحريّتنا وكرامتنا وعنفواننا".
ورأى رئيس القوات أن "شهداءنا هذا العام مسرورون أكثر من أي عام مضى بعدما باتوا على يقين أن نقطة دم من دمائهم لم تذهب سدى، وبعدما رأوا من عليائهم صمودنا وصلابتنا في خضم هذه الظروف الصعبة والعصيبة."
أضاف "شهداؤنا يرون تماماً عدم رضوخنا في أي لحظة من اللحظات أمام أخصام لدودين متكبّرين، شموليي النظرة والأداء، ولا يتورّعون البتة عن القيام بأي شيء " لأنو كل شي مسموح عندن"، ورفيقنا الشهيد الياس الحصروني خير دليل على ذلك. هم يرون كيف نواجه بالوسائل المتاحة كلها أرباب التسلّط ومنطق الفرض وجماعة الرياء والنصب والاحتيال والكذب "يللي ما حدا بالكون بيقدر يلحّق على ألاعيبهن."
كما أن شهداءنا يرون كيف لم ولن نسمح لهم أن يفرضوا علينا مرشّحهم لرئاسة الجمهورية، ونقول لهم هذه السنة كما الماضية ونؤكد من جديد: "متل ما إنّو ع زحلة ما بيفوتوا، هيك كمان، ع بعبدا ما بيفوتوا."
واستطرد " شهداؤنا يرون مدى ضغطنا على الحكومة كي تطبّق فوراً القرار الدوليّ 1701 وتنشر الجيش اللبناني على حدودنا الجنوبية، بمسعى جديّ منّا لإنقاذ أهالينا في الجنوب من العذابات والموت والدمار الذي يعيشون في الوقت الحاضر وكي نخلّص الجنوب ولبنان كله من "الأعظم" بعد. هم يرون كيف يكافح اللبناني يومياً في سبيل إطعام عائلته في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة،
وكيف نحاول مساعدة بعضنا البعض بـ "فلس الأرملة" بغية الاستمرار وعدم السقوط ، وكيف ننحت في الصخر كي تبقى مدننا وقُرانا، ولو بالحد المتاح، مكاناً للعيش الكريم على مثال مشروع "سوق البلاط" وسواه بهدف "تضلّ زحلة النجمة يللي بتشعّ بسما المنطقة"
وأضاف "من المؤكد أن شهداءنا فخورون بنا نتيجة وقوفنا كالرمح في وجه صعوبات هذه المرحلة وتحدّياتها وتطوّراتها كلها".
جعجع الذي رأى أن "أهميّة الشعوب تقاس بمدى قدرتها على مواجهة الصعاب والظروف القاسية، قال: ها إننا مرّة من جديد، نبرهن للعالم أجمع أننّا شعب لا ينكسر ولا ينحني أمام العواصف والرياح العاتية، داعيا الى وجوب تعزيز الجهود لتخطي ظروفنا الاقتصادية الصعبة، ولو "الله بالينا" بمسؤولين سياسيين لا إيمان ولا دين لهم، ولكن علينا تكثيف العمل "حتى نغيّرهن".
وأردف: "صحيح أن ثمة مجموعة في بلادنا تصادر قرار جميع اللبنانيين رغما عنهم ، إلا أن علينا الاستمرار في النضال كي يعود قرار اللبنانيين للبنانيين، من خلال دولتهم الشرعية. صحيح أن المنطقة من حولنا متفجّرة، ولكن علينا التصميم وتكثيف الجهود لإبعاد بلدنا عن خطر هذه الأحداث وإيصاله إلى
شاطىء الأمان".
وختم: "هذه المرّة نعمل من أجل إيصال لبنان إلى شاطئ أمان نهائي ، آمن بالفعل، لا تهدده الأمواج مهما كانت عاتية، ونستطيع وأولادنا العيش في كنفه براحة واطمئنان، بعد نضال طويل استمر قروناً وقروناً ليجعلنا نستحقه".