صنّف موقع «عالم الإحصاء» (World of Statics)، لبنان في المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر تلوّثاً، إلّا أنّ مصادر وزارة البيئة شكّكت في صحة ما نشره الموقع، حيثُ أفادت صحيفة «نداء الوطن» أنّ «فريق عمل الوزارة قام بالتدقيق بالمنهجية التي لم ينشرها الموقع، حيث لا يظهر ترتيب الدول أنه صادر عن مؤسسة علمية أو مركز بحثي، بل من موقع غير معروف في كازاخستان»، لافتةً إلى أنّ تقرير «واقع البيئة في لبنان» الذي أصدرته الوزارة عام 2021 يشير بشكل علمي ودقيق للمشاكل والقضايا البيئية التي يعاني منها لبنان، ويضع إقتراحات وتوصيات للحلول».
وفي إطار التعليق على الدراسة أيضاً، أوضحت مصادر معنيّة بالموضوع البيئي أنّه «من ناحية الدراسة، يجب أولا معرفة من قام بها، وعلى ماذا استندوا، ما هي المعايير التي على أساسها صنفوا البلدان، وما هي المواضيع التي درسوها، تلوث الهواء أم المياه ام التربة ام التنوع البيولوجي أم الغطاء النباتي. وما مدى الالتزام بالقوانين الضابطة، وما هي المؤشرات التي على اساسها يتم تصنيف كل بلد»، مشيرةً إلى «أن عدداً من هذه البلدان التي شملها التقرير قد لا يملك أجهزة لقياس نسبة تلوث الهواء مثلاً، فعلى أي أساس تم إصدار النتيجة؟ إذ يجب ان تكون البلدان متساوية من ناحية تقنية أدوات القياس، والتطور العلمي والتقني».
هذا واعتبرت المصادر خلال حديثٍ مع «نداء الوطن»، أنّ «هذا الأمر غير دقيق. فكيف يمكن إصدار هكذا أنواع من التقارير؟ عادة يصار إلى النظر إلى مدى غنى أو فقر البلد وما الظاهر في هذه الدولة. فإذا دخلنا مثلا إلى بعض المدن الهندية نشاهد تلوث الهواء بالعين المجردة. وفي لبنان إذا صعدنا نحو الجبل في أيام انحباس الحرارة والهواء يمكن مشاهدة غمامة صفراء أو بنية فوق بيروت وضواحيها، وهذا التلوث ناتج عن مصادر النقل او توليد الطاقة لا سيما المولدات المسببة بنسبة كبيرة لتلوث الهواء. وبهذا يمكن الاستنتاج وإعطاء نظرة عمومية عن حجم المشكلة».
وتضيف، «بالنسبة لتلوث المياه يجدر مراجعة التقارير ومصدرها، لأن الأمر يختلف إذا ما كانت صادرة عن حكومات أم جهات أكاديمية مستقلة ام جهات غير حكومية، لأن لكل جهة وجهة نظر معينة. فالجهات الحكومية مثلا تتستر على الكثير من الأمور لتغطية فشلها في إدارة القطاعات أو تقصيرها أو إهمالها للجانب البيئي، فتقدم تقارير مقبولة. لذلك لا يمكن معرفة على أي تقرير تم الإستناد»، مشددةً على أن «في بعض الأحيان يصار إلى أخذ عينة صغيرة من مكان معين وتعميمها، وهذا الأمر في هكذا نوع من الدراسات يجانب الدقة، لأن النتيجة تختلف عند فحص تلوث الهواء في منطقة مكتظة مقارنة بمنطقة قليلة السكان او في شارع قريب من غابة أو حديقة اوحيث يوجد مولدات كهربائية. كما يختلف بين مناطق صناعية او غير صناعية. فالاشخاص الذين يعيشون في محيط «منطقة الذوق» مثلا غير اولئك الذين يعيشون في مناطق لا يوجد فيها معامل كهرباء... كل هذه العوامل تؤثر في نسبة التلوث، والأمر نفسه بالنسبة إلى تلوث المياه، حيث النتيجة تختلف من قضاء الى آخر حسب مصدر المياه ونسبة الكلور والصيانة الدورية ووضع الشبكات»، لافتةً إلى أنّ «نسبة تلوث الشاطئ أيضاً تختلف من منطقة إلى أخرى، حيث تزيد في مناطق المعامل الشاطئية أو مياه الصرف الصحي التي تصب في البحر. فنسبة التلوث مثلاً ترتفع بين الدورة وانطلياس وتنخفض في الناقورة».
وتعتبر المصادر أن «هذه الدراسات عادة لا تكون دقيقة. لكن في لبنان، وحتى من دون أجهزة قياس، وحسب متابعاتنا التاريخية للأمر، يمكن التأكيد بأن وضعنا سيئ جداً. وإنتقلنا من مرحلة السيّئ إلى السيّئ جداً بسبب الازمة الإقتصادية، خاصة بعد أن أصبحت ملفات كثيرة غير مُراقبَة. حتى نوعية الغذاء تبدلت ومساحيق الغسيل تغيرت، وأصبح التاجر يستورد الأرخص كي يبيع أكثر، و»الرخص» دائما ما يكون على حساب النوعية. الأمر نفسه ينطبق على الخبز والوقود وغيرها من المنتجات»، مشيرةً إلى أن «تلوث الهواء زاد مثلاً بسبب غياب المعاينة الميكانيكية التي كانت تضبط السيارات والآليات التي تُصدِر الإنبعاثات، وكذلك غياب الرقابة على المولدات والمياه... بسبب تقاعس القطاع العام عن القيام بواجبه بعد انخفاض قيمة رواتب الموظفين».
ووفق ما تشير المصادر فإنّ «الإنهيار الاقتصادي وانهيار مؤسسات الدولة أدى وسيؤدي إلى مزيد من تراجع نوعية الحياة، خاصة بسبب غياب معالجة مياه الصرف الصحي والنفايات بنسبة 90 في المئة بسبب إرتفاع الكلفة، وبالتالي زيادة نسبة التلوث في الهواء والتربة والمياه السطحية والجوفية، الأمر الذي ينعكس بدوره على الزراعة وعلى الانتاج الغذائي بأكمله. حيث قد تعمد بعض المناطق إلى ري المزروعات بمياه آسنة، ما سينعكس على صحة المواطن وبالتالي سترتفع الفاتورة الصحية بشكل كبير»، مؤكدةً أنّ «صحة المواطن على المحك ما لم يصَر إلى إيجاد حلول جذرية لكل هذه المشاكل البيئية».