بحره برّه درّة الشرقين

يتجاذب لبنان هذه الفترة ملفان مصيريان، يرتبط الأول بحدوده الجنوبية التي تتحول أرضا محروقة على إيقاع المواجهة بين "حزب الله" وإسرائيل والتجاذبات المتعلقة بتنفيذ القرار 1701. أما الثاني فيتعلق بالنازحين السوريين، ليس بسبب أزمة اجتياح أعدادٍ كبيرةٍ منهم بعشوائية للواقع الاجتماعي والاقتصادي والأمني، أو لما يخلفه هذا الاجتياح من أزمات في غياب لدور الدولة، ولكن لتسرب النازحين في موجات هجرة غير شرعية من خلال الشواطئ اللبنانية السائبة إلى الشواطئ الأوروبية، ما يشكل خطرا على الاستقرار الأوروبي.

وهذان الملفان أعادا بر لبنان وبحره درة الشرقين ومقصد الموفدين في ظل التطورات والعواصف التي تعيشها المنطقة، لذا تنشط الدبلوماسية الغربية بممارسة الضغوط والتهديدات لتبريد الحدود الجنوبية، وباستخدام سياسة الجزرة والعصا لجهة إبعاد خطر تسرب النازحين السوريين باتجاه أوروبا، من جهة أخرى.

لذا من البديهي أن يستقطب لبنان ببره وبحره حدوديا اهتمام الخارج، في حين تبقى ملفاته الداخلية خارج هذا الاهتمام، مع كل ما ينتابه من بلاء وانعدام للتوازن في ظل شغور رئاسي وفلتان أمني وانهيار اقتصادي وعاهات اجتماعية خطيرة وكفيلة بنسف أسس الاستقرار في بلد ينهشه فقدان المناعة.

وبالطبع، لا يتوقف جهاد المنظومة عند هذه المسألة، فهم لا يريدون إفساد فرصة الوقوف تحت الأضواء، لدى توافد ممثلي الدول المهتمة بحماية إسرائيل وتأمين كل ما يلزم لتنعم حدودها الشمالية بالاستقرار والرخاء من دون إرغامها على شن حرب واسعة ستدفع الجهات الدولية تكاليفها.

 

كذلك لن يفوِّتوا فرصة مسارعة الأوروبيين لرشوتهم بمليار يورو لأربع سنوات قادمة، مقابل الإبقاء على النازحين السوريين في ربوعنا مع طبل وزمر وابتهاج، فهذه الفرصة تتيح لهم الاستفادة في زمن الشح، ومن دون حرج.. ولم الحرج ما دام هذا الغرب يواصل غض الطرف عن مزاريب الهدر والفساد، إلا عندما يتعلق الأمر بمصالحه الخاصة.. وهذه المصالح تتطلب في المرحلة الراهنة، قبول القائمين على السلطة بالتحول إلى حرس حدود لشواطئ أوروبا.

 

والجهابذة غير الكرام سيقبلون الرشوة، ولن يقوموا بأي إجراء فعال لمنع تدفق السوريين إلى لبنان عبر الحدود الشرعية أو غير الشرعية.. لا فرق على ما يبدو.. كذلك لن يقوموا بدراسة واقع الوجود السوري في لبنان، إن لجهة النزوح الاقتصادي، او الأمني، أو لجهة اللجوء السياسي، او اليد العاملة، او الدراسة في الجامعات، أو حركة الأعمال والتجارة، وسيكتفون بلوم وكالة غوث اللاجئين والأمم المتحدة على ما لم يفعلوه كمسؤولين..

 

والأخطر أنهم يفعلون ما لا يطابق المطلوب، فهم يتركون الساحة اللبنانية مستباحة لتفاعلات النزوح، ويعمدون في الوقت نفسه إلى التحريض ضد النازحين، لأن البعض منهم مجرم او منحرف أو مخالف وفق قواعد النفس البشرية الأمارة بالسوء، وبموجب غياب السلطة الرادعة بالقانون، ويروجون لحصول حوالي العشرين ألفا من النازحين على السلاح، ويدمغونهم بتهمة الإرهاب والتطرف على المذهب الداعشي، ليحولوا الساحة المستباحة إلى حقل ألغاء حاضر للتفجير متى استدعت المخططات المشبوهة ذلك.

 

ويتباهى جهابذة المنظومة بأنهم يمثلون وطنا بحـره بــرّه درّة الشرقين.. ورِفـدُهّ بــرّهُ مالئ القطبين.. وبأنهم يؤدون أدوارهم تحت الأضواء، وينقلون رسائل من الموفدين الدوليين إلى المتحكمين الفعليين بمصير البلد وسيادته لمصلحة رأس المحور الإيراني، عاجزين عن القيام بما يفترض بالدول أن تقوم به لضبط الحدود البرية والبحرية وحماية لبنان من العدو الإسرائيلي فعلا، ومن دون مزايدات أو شعبوبة، ولمنع تقديم خدمة للنظام الأسدي، ومن ثم مقايضة المتضررين من الفلتان للحصول على الأموال التي سيسهل نهبها كما جرت العادة..

المصدر: نداء الوطن