المارونية الرئاسية

هل الموارنة ، وقُـلْ القيادات المارونية همُ الذين عند كلِّ استحقاق رئاسي يحاولون أن يشدّوا الشيطان من ذَنَبِـه ...؟

 


وهمُ الذين يُهيِّـجون الثيران ليجلسوا على قرونها ...
وهم الذين يحاولون أن يُقيموا لأنفسهم عرشاً من السيوف ، ولـوْ أنّهم لا يستطيعون أن يجلسوا عليها ...
نقول نعم .. ولم يعُدْ هناك حاجـةٌ لأنْ نستشهد بقول المسيح : "الذي تسمعونه في الأذن نادوا بـه على السطوح .." – متى : 10 – 27) .
نعم .. القيادات المارونية تتحمّل مسؤوليةً سياسيةً وأيضاً وطنية بسبب الصراع على الكرسي ...


ولكنْ نعم ، هناك قيادات أخرى تتحمل مسؤوليةً وطنية بسبب الصراع على الوطن .
في العمق التاريخي للوجود الماروني في لبنان ، أيْ منـذ ما يقارب 1500 سنة ، كان الإنتماء إلى الأرض يتفوّق على التهافُتِ على الحكم .
مفهوم المارونية حسب الذاكرة التاريخية وعلْمِ النفس التاريخي ، هو مفهوم سيادي استقلالي وطني وحدوي لا مذهبي ..


لم تستهوِ الموارنة دولـةٌ مارونية عبر اقتسام جبل لبنان إلى قائمقاميِّتين سنة 1861 ، والتي كانت تحت وصاية أوروبية عثمانية ، بل راحوا يتطّلعون إلى دولة البطريرك الياس الحويك ، دولة لبنان الكبير إنسجاماً مع مفهومهم الوطني والتاريخي .
نعم .. ومنذ قيام دولة لبنان الكبير 1920 – 1926 ، كان هناك صراع ماروني على الكرسي واستمّر مع نشوء الجمهورية اللبنانية 1926 مروراً باستقلال 1943 والعهود المارونية المتلاحقة ، على تفاوُتِ أدائها وإنجازاتها وإخفاقاتها .


ولكنّ هذا الصراع لم يتسبّب بانقسامات عسكرية تهدّد أركان الكيان ، بل على العكس راح الصراعُ ينزعُ إلى الإشراك الطائفي في رئاسة الجمهورية ، فكان نتيجة الخلاف بين بشارة الخوري وإميل إدّه أن تحوّلت الرئاسة إلى شارل دباس الأرتوذكس ، وعندما مالت الرئاسة لصالح بشارة الخوري رشحّ إميل إده الشيخ محمد الجسر لرئاسة الجمهورية .


ولكنّ الأمر أَخـذَ بالتفاقم عندما تحوّل الصراع إلى انقسام عسكري ، وانقسام سياسي ، وانقسام شعبي ، وانقسام روحي حيال البطريرطية المارونية ، فلم يعد هناك قيادة ولا ريادة ولا مرجعية ولا ثنائية بل فرديّتان متصارعتان ، أدّتا إلى قيام ثنائية متعاكسة .


إنّ قيام الثنائيات المتعاكسة خلافاً لطبيعة الطبائع ، يجعل الفرد ذا شخصية مزدوجة وسياسة مزدوجة في ذات واحدة ، ومن الصعب أنْ يكون الإنسان واحداً واثنـين ، وأن يكون صادقاً مع الإثنين معاً ، ومَنْ يعاني من ثنائية ذاتية لا يستطيع أن يكون صادقاً مع ذاتـه ولا صادقاً مع أيّ ثنائية أخرى .

سمعت الكثيرين من مفكري الطوائف الأخرى يتساءلون : أين همُ المبدعون الموارنة النابغون والمثقفون والعلماء والأدباء وقد غابت أسماؤهم وأصداؤهُم ...!

والجواب : ليس الأمر يقتصر على الموارنة لأنّـه عندما يتعَسْكَرُ الفكر فلا يستطيع المفكرون أنْ يَبرزوا بواسطة المسدسات ، وفي الوقت الذي يستوجب واقع لبنان المفجع أن يكون المثقفون جميعاً خطباء على شاكلة الحجاج بـن يوسف حيال الرؤوس التي حان قطافها ، تراهم عاجزين عن الفعل والفَصْل بسبب اغتيال العقل ، وعليهم أن يَعبّـوا الماء على أن يوجِّـهوا أصابعهم إلى عين الأعور .

إنَّ الأدباء والمثقفين هم ألـدُّ أعـداء الجهَلة من أهل الحكم والسياسيين ، ولا قيامةَ للبنان إلاَّ عندما يصبح السياسيون أدباء .

*المصدر: الجمهورية