عُقد اليوم في بكركي قمة روحية إستثنائية برئاسة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ومشاركة رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية.
وجاء في البيان الختامي للقمة: "تم البحث والتداول مطولاً وعميقاً في العدوان الهمجي والوحشي الذي قامت وتقوم به إسرائيل ضد لبنان غير عابئةٍ بالمعاهدات والشرائع الدولية، ولا سيما شرعة حقوق الإنسان، ولا مكترثة بالأمم المتحدة، ولا بمجلس الأمن الدولي وقراراتهما، ممعنةً في إستعمال العنف والدمار والقتل والإبادة الجماعية، وهدم المنشآت والمؤسسات والبيوت على رؤوس ساكنيها، ويأتي ذلك كلّه بعد أن دمّرت إسرائيل غزة تدميراً كاملاً، وقتلت الأطفال والنساء والعجز، وهدّمت المستشفيات والمساجد والكنائس".
تابع: "وتُجاه هذا الواقع الكارثي والمأساوي والإنساني المروع الذي لم ترَ له البشرية مثيلاً في التاريخ الحديث، لا في هول الأفعال والمجازر، ولا في الصمت على ما يُرتكب من أهوال وجرائم، ولا في درجة الاستكانة والإنكفاء والتلكؤ عن إتخاذ ما يجب إتخاذه من مواقف ومقررات وتدابير رادعة بحق إسرائيل، للحفاظ على السلم والأمن الدوليين. فقد تداعى أصحاب الغبطة والسماحة والفضيلة والسيادة في لبنان، فكان هذا اللقاء الوطني الجامع، حيث توجه المجتعمون إلى أهلنا وإخواننا في الجنوب اللبناني والبقاع وبيروت وضاحيتها، وفي كل المناطق اللبنانية التي استهدفها العدوان الصهيوني الغاشم بالتعزية القلبية الحارّة لسقوط الشهداء، شهداء الوطن، الذين ضحّوا بحياتهم دفاعاً عن لبنان، والضحايا الأبرياء من المدنيين والنساء والأطفال والعجز وكبار السن، سائلين الله تعالى أن يضمد جراح المصابين، وأن يمن عليهم بالشفاء العاجل".
البيان أضاف: "أكّدت القمة على أن العدوان الإسرائيلي الهمجي على لبنان يطال كل لبنان وينال من كرامة وعزة كل اللبنانيين، وأن اللبنانيين بوحدتهم وتضامنهم وتمسكهم بأرضهم ووطنهم قادرون على الصمود وردّ العدو على أعقابه، مشدّدةً على أنّ الحلول للبنان لن تكون، ويجب أن لا تكون، إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة التي ترتكز على التمسّك بالدستور اللبناني واتفاق الطائف وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة وبقرارها الحر وبدورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية ومسؤولياتها تُجاه شعبها وضمانة أمنه واستقراره وازدهاره".
وخلصت القمة إلى ما يلي:
أولاً: "دعوة مجلس الأمن الدولي إلى الإنعقاد فورًا، ودون تلكؤ لاتخاذ القرار الحاسم لوقف إطلاق النار، ولإيقاف هذه المجزرة الإنسانية التي ترتكب بحق لبنان الذي يشكّل نموذجاً رائعاً في هذا الشرق، لإعلاء قيم الحق والمساواة والعدالة والتسامح والانفتاح والعيش المشترك السلمي البنّاء بين أتباع الشرائع الدينية والثقافات، وهو الذي وصفه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني بأنه رسالة سلام ومحبة.
ثانياً: دعوة اللبنانيين جميعاً إلى إنقاذ وطنهم، فالوقت ليس وقتاً للجدل العقيم والزمن ليس زمن المطالب والمكاسب. الوقت والزمن هما لإثبات جدارتنا بأن نكون لبنانيين موحدين وأن نستحق انتماءنا لهذا الوطن الذي يغبطنا عليه العالم. الوقت هو وقت التفاهم والتعاون والتلاقي لأن الكيان اللبناني بات معرَّضاً للمخاطر والضياع، فأطماع العدو الإسرائيلي ليس لها حدود، لا في الزمان ولا في المكان. الوقت الآن هو وقت التضحية من أجل إنقاذ لبنان، وهو وقت التضامن والتكافل والوحدة. والمطلوب تعزيز ثقتنا بعضنا ببعض، والتعاون لبناء الدولة القادرة والعادلة وتحصين مؤسساتها، ولكي تبقى وحدة الشعب اللبناني هي السلاح الأمضى في الدفاع عن لبنان، وفي تأكيد حقِّه بالحرية والاستقلال والسيادة.
ثالثاً: حثّ اللبنانيين جميعاً على القيام بواجباتهم تُجاه وطنهم، وأولها إعادة تكوين المؤسسات الدستورية، ولاسيما قيام مجلس النواب، وفوراً، بالشروع في إنتخاب رئيس للجمهوريـة، يحظى بثقة جميع اللبنانيين وذلك تقيداً بأحكام الدستور وبأكبر قدر ممكن من التفاهم والتوافق، بإرادة لبنانية جامعة وعملًا بروح الميثاق الوطني وتغليبًا للمصلحة الوطنية وتجاوزًا للمصالح الخارجية.
رابعاً: الشروع فوراً بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 كاملاً، بما يتضمن من دعمٍ جيش اللبناني وتعزيز إمكانياته وقدراته للدفاع عن لبنان، وتأكيد إنتشاره الواسع في منطقة جنوب الليطاني وفي مختلف المناطق اللبنانية. وعلى الحكومة اللبنانية، بوصفها المؤتمنة على السلطة التنفيذية الإطلاع بمسؤولياتها كاملة والتعاون مع المجلس النيابي وفق الدستور من أجل تعبئة جهود وطاقات الأشقاء العرب والأصدقاء الكثر في العالم للإسهام مع اللبنانيين في إنقاذ لبنان.
خامساً: التأكيد على وحدة اللبنانيين وعلى ضرورة إحتضان بعضهم لبعضهم الآخر، ولا سيما في هذه المرحلة الصعبة التي يسود فيها القلق عندهم جميعاً. ولذلك ينبغي التأكيد على عودتهم، وكفريق واحد متضامن، إلى ما تقتضيه مصلحتهم الواحدة ومصلحة لبنان، وذلك بشروط الدولة اللبنانية وتحت رعايتها، وهذا يعني أن تمسك الدولة بالقرار الوطني، وتُدافع عن سيادتها الوطنية وعن كرامة شعبها، وأن تكون صاحبة السلطة الوحيدة على كامل التراب اللبناني.
سادساً: التوجه بالشكر والتقدير لجميع اللبنانيين على المبادرات الطيبة التي عبّروا عنها في جميع المناطق اللبنانية، التي تدل على أصالتهم ووطنيتهم في إحتضان بعضهم بعضاً، وفي ما يقومون به من أجل إغاثة إخوانهم النازحين اللبنانيين، الذين اضطرهم العدوان الإسرائيلي إلى ترك قراهم وأماكن سكنهم، مع التأكيد على ضرورة إستضافة هؤلاء النازحين الضيوف، إلى أن يعودوا إلى بلداتهم وقراهم ومساكنهم، والعمل على تقديم العناية اللازمة والرعاية لهم، مع التأكيد والحرص على إحترام الملكية الفردية، وبالتالي رفض أي نوع من أنواع التعديات على الأشخاص وأملاكهم.
سابعاً: التوجّه بالشكر للدول العربية الشقيقة والدول الصديقة على مبادراتها الطيبة تُجاه لبنان، وتقديمها الدعم السياسي والعون المادي والطبي والغذائي، متمنين على هذه الدول مضاعفة جهودها في نصرة لبنان من أجل وقف العدوان الإسرائيلي الغاشم وتعزيز صمود شعبه بعد أن أصبح لبنان بلداً منكوباً يستحق مساندته من كل الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الدولية والإنسانية، وتقديم كل المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة الأهالي المُنْتَزَعين من بلداتهم وقراهم، والحفاظ على كرامة اللبنانيين، ولإعادة بناء وإعمار ما تهدّم.
ثامناً: توجيه الشكر لقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان للجهود والتضحيات التي تقوم بها حفاظًا على حدود لبنان الجنوبية وسكان تلك المنطقة. ونثمّن تمسكها بالبقاء في مواقعها بالرغم من المضايقات والإنذارات الإسرائيلية غير المبررة، الهادفة الى إلغاء كل شاهد على المجازر الوحشية التي ترتكبها بحق وطننا. اننا ندعو المجتمع الدولي الى الوقوف بجانب هذه القوات وحمايتها.
تاسعًا: التأكيد على أن القضية المركزية التي تتمحور حولها معظم القضايا في المنطقة العربية، هي القضية الفلسطينية المحقّة التي ما تزال تنتظر الحل العادل والشامل ليكون للفلسطينيين وطنهم وتكون لهم دولتهم السيدة المستقلة حسب ما جاء في المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت في العام 2002، وذلك من خلال فرض حلٍ عادلٍ ودائمٍ ترعاه الأمم المتحدة وعواصم القرار والأشقاء العرب، فيتكرَّس من خلاله السلام وتنتهي بتنفيذه المأساة".