بعد أكثر من أربع سنوات على وفاة الملياردير الأميركي المدان جيفري إبستين داخل زنزانته، يعود اسمه إلى الواجهة من جديد. ليست هذه المرة عبر دعوى قضائية أو شهادة ضحية جديدة، بل عبر تسريبات حساسة تكشف مراسلات خاصة لم تُنشر سابقاً، وتعيد فتح ملف العلاقات التي جمعت إبستين بعدد من الشخصيات الأكثر نفوذاً في السياسة والمال حول العالم.
هذه الوثائق التي جرى الحصول على أجزاء منها عبر قنوات قانونية وتسريبات متقاطع، تقدّم صورة أكثر تعقيداً لشبكة إبستين، وتوضح أن ما لم يُكشف بعد قد يكون أخطر بكثير مما عُرف خلال محاكمته وقبل وفاته الغامضة.
أولاً: ترامب… رسائل تمحو “رواية البراءة”
في إحدى الرسائل الموجهة إلى لاري سمرز، يشنّ إبستين هجوماً مباشراً على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب:
“قابلت أشخاصاً سيئين جداً… لكن لا أحد سيئ مثل ترامب. لا توجد خلية محترمة واحدة في جسده.”
هذه العبارة وحدها كفيلة بإثارة تساؤلات حول طبيعة العلاقة التي جمعتهما، خصوصاً أن ترامب لطالما حاول تصوير علاقته بإبستين على أنها “سطحية” و”عابرة”.لكن التسريبات تكشف أكثر من ذلك.
وفي رسالة أخرى إلى غيلين ماكسويل، يشير إبستين إلى واقعة مرتبطة بإحدى الضحايا، مستخدماً وصفاً قاسياً لترامب:
“أريدك أن تعرفي أن ذلك الكلب الذي لم يتبعه ترامب، وقد أمضى مع الضحية ساعات في منزلي".
هذه الجملة تفتح باب التحقيق من جديد حول مدى معرفة ترامب بالاعتداءات على القاصرات داخل شبكة إبستين، في ظلّ تراكم شهادات تشير إلى عكس ما يدّعيه.
ثانياً: باراك… مراسلة تكشف جانباً مظلماً
تتضمن التسريبات رسالة موجّهة من إبستين إلى توم باراك، أحد أبرز المقربين من ترامب على مدى سنوات.
الرسالة قصيرة، لكنها محمّلة بالأسئلة:
“أرسل صوراً لك وللطفل… اجعلني أبتسم".
لا تشرح الرسائل سياق العبارة، ولا هوية “الطفل”، لكن مجرّد ورودها في أرشيف مرتبط بإبستين يثير قلقاً كبيراً، خاصة مع تاريخ الرجل في استغلال القاصرات واستخدام النفوذ لتأمين حماية لنفسه ولشركائه.
وجود باراك في هذه الدائرة يضعه في خانة الأسئلة الكبرى، رغم عدم وجود اتهام مباشر حتى اللحظة.
ثالثاً: بن سلمان… هدية غامضة بلا سياق واضح
على عكس حِدّة المراسلات المتعلقة بترامب وباراك، تأتي الإشارات إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إطار هدية غير تقليدية تلقاها إبستين، كما يروي في مراسلة مع الملياردير توم بريتزكر:
“هل تصدّق أن بن سلمان أرسل لي خيمة… مع السجاد وكل شيء؟". وعندما يستغرب بريتزكر، يجيب إبستين: "أعتقد أنها رمز (أنا أحبك)".
حتى الآن، لا توجد وثائق تثبت طبيعة العلاقة بين إبستين وبن سلمان، ولا يبدو أن المراسلة تتضمن أي اتهام مباشر. لكنها تثير سؤالاً مشروعاً حول سبب هذه الهدية، خصوصاً في ظل تقارير سابقة تحدثت عن زيارة لطائرة إبستين إلى الرياض في إحدى السنوات.
السياق يبقى غامضاً، والمعلومات غير مكتملة، ما يجعلها نقطة استفهام أكثر منها إدانة.
الخلاصة: ملف لا يريد أن يُغلق، وكل تسريب جديد يعيد إبستين إلى الحياة سياسياً وإعلامياً، ويكشف جانباً كان مغطّى من شبكة نفوذ تمتدّ بين نيويورك ولندن وحتى تل أبيب.
ما يتضح اليوم هو أن القضية ليست جريمة فردية ولا مجرد رجل ثري استغل ضحايا قاصرات، بل منظومة كاملة عاشت على حماية المصالح، والتبادلات المشبوهة، والصلات العابرة للقارات.
الإجابات لم تأتِ بعد. والوثائق التي تظهر تباعاً تشير إلى أن ما هو مخفي قد يكون أكبر وأخطر من كل ما تسرّب حتى الآن.