في سابقة غير مألوفة، كلّف رئيس الجمهورية جوزاف عون السفير السابق والمحامي سيمون مسعود كرم بترؤس الوفد اللبناني إلى اجتماعات اللجنة التقنية–العسكرية المعروفة بـ”الميكانيزم”، المقررة اليوم في الناقورة. قرار أثار الاهتمام… والسجال.
فالوفد اللبناني، الذي كان تاريخيًا حكرًا على الضباط والعسكريين، يدخل اليوم مرحلة جديدة مع إسناد رئاسته إلى مدنيّ عُرف بمواقفه السيادية الحادة ورفضه تاريخيًا لأي نفوذ خارج الدولة. خطوة تُقرأ من جهات عديدة على أنها محاولة لتثبيت الطابع السياسي–الدبلوماسي للمفاوضات بدل إبقائها في إطار عسكري تقني صرف.
اللجنة—المنشأة بموجب إعلان وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني 2024—ترأسها الولايات المتحدة وتضم ممثلين عن لبنان، إسرائيل، اليونيفيل، وفرنسا. وتقول مصادر مطلعة إن واشنطن دفعت باتجاه توسيع تركيبة الوفود لتشمل أعضاء غير عسكريين، بعدما وافق الجانب الإسرائيلي على إضافة عضو مدني إلى فريقه.
بهذا المعنى، يُنظر إلى تكليف كرم كرسالة مزدوجة:
أولاً، تأكيد تمسّك لبنان بمسار تفاوضي يهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار وفتح الباب أمام بحث ملف الحدود.
ثانيًا، إدخال شخصية ذات خبرة دبلوماسية وقانونية طويلة في موقف بالغ الحساسية، في لحظة يُعاد فيها رسم قواعد اللعبة.
لكن النقاد يرون أن الخطوة تحمل بعدًا سياسيًا واضحًا، إذ يأتي التعيين في ظرف داخلي مأزوم، وبتوقيت تُكثّف فيه القوى الإقليمية والدولية ضغوطها لتثبيت ترتيبات أمنية جديدة في الجنوب. والبعض يعتبر أن اختيار شخصية معارضة تاريخيًا للنظام السوري وللسلاح خارج الدولة يُشكل تحديًا مباشرًا للقوى اللبنانية المتشددة في الملف الأمني.
سيمون كرم، المولود عام 1950 في جزين، شغل مناصب حساسة أبرزها سفير لبنان لدى الولايات المتحدة (1992–1993)، محافظ البقاع ثم بيروت، إضافة إلى مسيرة طويلة في المحاماة. يُعد من الشخصيات التي واكبت بدايات الحركة السيادية، وشارك في لقاء قرنة شهوان وفي الحوارات التي سبقت انتفاضة 2005.
اليوم، يعود كرم إلى واجهة ملف من الأكثر تعقيدًا في تاريخ لبنان الحديث، في لحظة يُمسك فيها “الميكانيزم” بمفاتيح وقف النار… وربما بمفاتيح ما بعدها.