...وسوريا أيضاً لا تريد التورّط في الحرب، لكن لا حول ولا قوة لنظامها الضعيف، مثل حكام لبنان أو سياسييه لأنّ القرار ليس في يدهم ولا في يد بشار الأسد.
الخبر يقول إنّ لجنة الشؤون العربية في البرلمان السوري اجتمعت قبل ثلاثة أيام واعتبرت أنّ «الوضع أعقد من أن تقوم سوريا بأي عمل عسكري تجاه إسرائيل في الوقت الحاضر».
وصرح النائب بطرس مرجانة، رئيس اللجنة النيابية التي لا تصدر مواقف من هذا النوع، وحتى أقل شأناً مما جاء في اجتماع اللجنة البرلمانية من دون إشارة من الرئاسة السورية، مستبعداً «أن تنفّذ دمشق عملاً عسكرياً ضد إسرائيل»، رداً على قصف مطاري دمشق وحلب الدوليين وإخراجهما عن الخدمة. ولم ينسَ النائب مرجانة أن يردد العبارة المعزوفة بأن دمشق «تحتفظ بحق الرد» على الهجمات الإسرائيلية المتكررة في سوريا. واعتبر أنّ «إسرائيل تسعى من وراء غاراتها، إلى دفع دمشق باتجاه «رد عسكري غير محسوب، لتتمكن (تل أبيب) من التمادي في عدوانيتها».
ولتأكيد الرسالة التي تتوخاها دمشق من وراء لجنة الشؤون العربية في مجلس الشعب السوري، بعدم رغبة القيادة السورية في التورط في الحرب الدائرة وتوسعها، تحدث مرجانة عن لجوء هذه القيادة إلى «المسار الدبلوماسي» بإخطار الأمم المتحدة بالقصف الإسرائيلي لمطاري دمشق وحلب... لكن لم يفته القول حين سئل عن أنّ أسباب القصف استخدام إيران المطارين من أجل نقل أسلحة إلى سوريا، إنّ «إسرائيل تختلق دائماً الأعذار لتنفيذ مخططاتها».
نظراً إلى تكرار قصف مطاري دمشق وحلب، أربع مرات في غضون أسبوعين، آخرها قبل ساعات، اضطرت أوساط النظام إلى تسريب خبر بأنهما سيغلقان ويتوقف الإقلاع والهبوط فيهما. يبدو أنّ المسؤولين السوريين سئموا من إصلاح المطارين كي يعودا إلى الخدمة المرة تلو الأخرى خلال السنتين الماضيتين، ومن تكرار هذا السيناريو، أربع مرات في الأسبوعين الأخيرين، فجاء إبقاؤهما خارج الخدمة بعد قصف الأمس بمثابة رسالة إلى إسرائيل والأميركيين بأنّه إذا كانت الحجة نقل إيران الأسلحة عبرهما، قد توقف، لتوفير أضرار استمرار القصف. لكن بعض المراقبين يعتبرون أنّ الرسالة تتعدى ذلك إلى محاولة الإيحاء بأن دمشق لن تساهم في أي توسيع للحرب إذا قررت إيران ذلك.
لكن الأمر ليس في يد بشار الأسد في كل الأحوال، حتى لو أراد إظهار بعض الاستقلالية عن التوجهات الإيرانية، كما يفعل بعض السياسيين والمسؤولين في لبنان. فنظامه ترك الباب مفتوحاً للوجود الإيراني العسكري والسياسي والاقتصادي بحيث لم يعد قادراً على العودة إلى الوراء. وإذا كان هناك انقسام في لبنان بين من يلتحق بخطط طهران ومحور الممانعة، وبين معارضين لهذا النهج في استتباع البلد كما فعل العهد الرئاسي السابق، تاركاً لطهران حرية الحركة باسم تأييد المقاومة ضد إسرائيل، ما يضفي بعض الالتباس المقصود حول هيمنة الحزب على القرار، فإنّ الأسد لم يترك مجالاً للشك بتسليمه بالهيمنة الإيرانية، وبالتزامه الكامل أن يكون واجهة لخطط طهران في سوريا ولبنان وسائر دول المنطقة، بحجة أنّها دافعت عنه حين كانت المعارضة المدعومة عربياً وغربياً تريد إسقاط نظامه.
سوريا مثل لبنان أُسقط في يدها. وكلا البلدين مغلوب على أمره فتستباح أرضه من دون أي قدرة لسلطاته على الاعتراض. بل يُسمح لمن يريد الاعتراض بأن يصرح ويصدر البيانات، لكن الأمور على الأرض تتم وفقاً للنهج الإيراني باستخدام البلد ساحة، حتى لو أدت إلى حرب لم يستعد اللبنانيون لأدنى متطلبات الصمود فيها، وفقاً للتوقيت الإيراني وليس القدرات اللبنانية. وكما في سوريا هناك «حزب الله»، و»فاطميون» و»زينبيون» و»حشد شعبي» على الحدود العراقية، يطلق بعضهم صواريخ على الجولان المحتل، من درعا، في لبنان تستخدم فصائل فلسطينية الجنوب منطلقًا لهذه الصواريخ... من دون علم سلطاته.
ثمة جانب آخر قد يدخل في الحسابات السورية من وراء التبرؤ من التصعيد العسكري، هو محاولة فتح الباب للتفاوض مع النظام، الذي يقلق بين الفينة والأخرى من تفاوض إيراني أميركي على حسابه، فيحشر رأسه بين الرؤوس لعله يُحسب له حساب في حال التفاوض لاحقاً. لكن الأمر لا يتعلق بالتفاوض بقدر الخوف من أن يدفع ثمن حرب يخوضها حليفه باسمه ومن أرضه...
*المصدر: نداء الوطن