من الطريق الجديدة إلى الشريط الحدودي

بالتزامن مع التطوّرات الخاصة في غزة وفلسطين والمنطقة، وإفساحاً في المجال لكل حرّ شريف بحق مقاومة الاحتلال، تعلن السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي عن فتح باب الاستقطاب إلى تشكيلاتها في مناطق الملعب البلدي وقصقص- أرض جلول والمقاصد والكولا»... ومع الدعوة أرقام هاتفية ومرجعية للتواصل عبر «الحاج كرار»، ورواتب شهرية تبدأ من 400 دولار أميركي على ذمّة ناقلي هذه المعلومات.

وهكذا عوض «الجلوس في المقهى وتدخين النرجيلة» بات مسموحاً لأهل السنة، «الشرفاء» منهم طبعاً، الالتحاق بتشكيلات «سرايا المقاومة»، و»حيا على الجهاد» في مدرسة تقدّم الشهداء.

والأمر بديهي، حتى أنّه خطوة متقدّمة وفعّالة لقطع الطريق على الحملات الرافضة زجّ لبنان في حرب تخدم محور الممانعة، ولا تقلّص أعداد ضحايا الإجرام الإسرائيلي، والأكيد أنّها لن تحرّر القدس الشريف، لكنّها تضع على خشبة مسرح العمليات جماعات لبنانية «سنية» لا تملك إلا الشعور بالغضب والقهر حيال ما يجري في غزة، وحيال تهميشها كشريك في الوطن بفعل ضياع حيثيتها كقوة سياسية جرّاء فقدانها مرجعيتها التي كان يمثلها «تيار المستقبل» وإرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

فالـ»حزب»، حدّد وظيفة جديدة يعهد بها إلى «سرايا المقاومة»، التي استثمر فيها لفترة طويلة، وفي مسائل داخلية لتوطيد أسس وجوده في البيئة السنية الشعبية والمحدودة القدرات والمتواجدة في أحزمة بؤس مع غياب شامل للدولة ومؤسساتها التي تتولّى تأمين المستلزمات الضرورية من تعليم وطبابة وحتى رغيف الخبز، ليتولى ملء هذا الفراغ من خلال تقديم بعض الدعم المتواصل لها.

هذا عدا التكتيك الواضح الذي يسعى إليه محور الممانعة، وفي لبنان تحديداً من خلال رفع مسؤولية أي حرب شاملة ينخرط فيها «حزب الله» بصفته الممسك بقرار الحرب والسلم، وذلك من خلال العمل على اجتذاب شرائح واسعة من المسلمين السنّة، لينفي عن نفسه تهمة احتكار تحويل العمليات المقتصرة على قواعد الاشتباك إلى حرب مفتوحة على كافة الاحتمالات، وبأيدٍ لبنانية وليس فلسطينية من أذرع المحور.

فمصلحة «الحزب» تقضي بحشد أكبر عدد من التنظيمات المسلّحة على جبهة الجنوب، تؤمّن له «الغطاء السني»، إذا ما اضطر إلى ذلك، في ضوء التطوّرات العسكرية في غزة.

واليوم، حانت لحظة قطاف ما زرعه في غفلة عن مسؤولية الدولة من جهة، والمرجعيات السياسية السنية من جهة ثانية، فيخفّف الضغط عن كوادره، ويقدّم للوطن مشاريع شهداء، بمعزل عن خبرتهم القتالية، ليرتقوا ويضمنوا جنّتهم. ومن جهة ثانية، يقطع الطريق على انتشار أي مجموعات مسلحة لا يسيطر عليها بشكل كامل، كما هي الحال مع «قوات الفجر» التابعة لـ»الجماعة الإسلامية» أو حتى الجماعات السنية غير اللبنانية، والسورية تحديداً التي قد يفور دمها العربي إذا ما وجدت من يتبنّاها، ومعظمها لديه بذور تطرف إسلامي بفعل الظلم الذي لحقه من نظامه الأسدي المتوحش.

ولا يُلام «الحزب» على ذلك، فهو لا يمكن أن يتهوّر ويفتح الجبهة من دون أن يضبط إيقاعها وفق مقاييسه وحده دون غيره. لذا استخدم إدخال المواجهة إلى العقول، وعمل على تهيئة الأجواء لها، بحيث تصبح الأصوات المعارضة أقلية ومن فئة من المسيحيين «الانعزاليين والمتصهينين» من دون غيرها.

وهكذا، عندما تحين لحظة القرار، الذي تتطلبه مصلحة رأس محوره الإيراني، يكون الانتقال من الطريق الجديدة إلى الشريط الحدودي خير غطاءٍ للحرب المحتملة وجعلها مقبولة نفسياً وشعبياً، وتحديداً بعد انصياع حكومة تصريف الأعمال التي تجتمع لتملأ الفراغ بخطط طوارئ فاشلة، وبعد ضمان صمت قادة الطوائف السياسيين على الخراب الذي ينسحب على لبنان بأكمله.

المصدر: نداء الوطن