نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تقريرًا يتضمن شهادات مروّعة من جنود خدموا في منشأة التحقيق والاعتقال العسكري الإسرائيلية “سدي تيمان” الواقعة في صحراء النقب المحتل، والمخصصة لأسرى قطاع غزة.
وذكر الجنود في شهادتهم أن أكثر من 4500 معتقل من قطاع غزة احتجزوا في هذا المعتقل معًا، واعترفت النيابة العسكرية العامة باستشهاد 36 منهم في المعسكر جراء ظروف قاسية عانوا فيها التعذيب والتجويع والتقييد المشدد فترات طويلة.
"سلك شائك يحيط بكل شيء"
وعن ظروف الاحتجاز، قال أحد الجنود الذين سجلت شهاداتهم، إن المعتقلين كانوا يجلسون داخل مبنى يشبه المخزن الكبير، فيه سقف وثلاثة جدران، وواجهة المخزن تتكون من سياج “يشبه حديقة الكلاب”، وهناك سلك شائك يحيط بكل شيء.
وقال “كان المعتقلون يجلسون في ثماني صفوف، كل صف به نحو 8 أشخاص، وكان هناك حوالي 70 شخصًا في بعض المخازن، وفي بعضها نحو 100 شخص”.
وقالت الشرطة العسكرية إن “عليهم الجلوس على هيئة ركوع، يحظر عليهم النظر حولهم، ويحظر عليهم التحرك، ويحظر عليهم التحدث، وإذا ما فعلوا أيًّا من ذلك، فإنه يسمح لنا بمعاقبتهم”.
وبحسب شهادات الجنود، كل ذلك في ظل تقييد المعتقلين بالأصفاد بشكل دائم، وغالبا ما كان يتم تقييد أيديهم من الأمام، وفي بعض الحالات كانت أيديهم تقيد من الخلف عقابًا لهم، وكان يتم تصنيف المعتقلين “بصورة معينة” على فئات تتراوح بين 1 و4، حيث يتم تقييد أقدام المصنّفين من الفئة الرابعة وإجبارهم على الجلوس.
يقع كل ذلك وأعين المعتقلين معصوبة طوال الوقت تقريبًا، وكانوا يظلّون في هذه الظروف فترات طويلة، قد تمتد أسابيع أو أشهرًا.
وكان الجميع يرتدون نفس الملابس ذات اللون الأزرق، وتغطى أعينهم بأغطية برتقالية/صفراء، وكان كل شخص لديه فرش رفيع ولم يكن يُسمح لهم بتحريكه وكانوا يُمنعون من الاستلقاء خلال ساعات النهار، أما في ساعات الليل، فلا يسمح لهم بالنهوض، ولم يكن يُسمح لهم بالتحدث في أي وقت.
مبرح
وأشارت الصحيفة إلى أن المعتقلين يُضربون في هذه المنشأة ضربًا مبرحًا، عقابًا لهم على “مخالفتهم” لقواعد احتجازهم، وتشمل هذه المخالفات التحدث أو تغيير الجلسة.
كما يُضربون ضمن إجراء روتيني، إذ يقوم أفراد قوة خاصة بإخراج المعتقلين وإجبارهم على الاستلقاء على بطونهم وأيديهم مقيدة خلف رؤوسهم، والاعتداء عليهم بوحشية، مما أدى بحسب شهادة أحد الجنود إلى إصابات خطيرة، في بعض الحالات.
“أصول استراتيجية”
تقول ضابطة مجنّدة في الشرطة العسكرية خدمت بالمعسكر في شهادتها لصحيفة هآرتس إن الضابط المسؤول قال لها ولسائر مجندات الشرطة العسكرية لدى تجنيدهن في المعسكر “يجب عليكن أن تفهمن، نحن نقوم بذلك من أجل استعادة الرهائن”.
وقال لهن الضابط “يجب استعادة الأسرى، لذلك نحن نحتفظ بهم. من أجل الصفقات، يعتبر هؤلاء، حاليًّا الأصول الاستراتيجية الأكثر أهمية للجيش الإسرائيلي”.
وفيما يخص الرعاية الطبية للمعتقلين، أورد التقرير أن هناك إهمالًا طبيًّا متعمّدًا للحالات المرضية والمصابين المعتقلين، مشيرًا إلى عدة شواهد في هذا الصدد منها حالات جرحى ومصابين بطلقات نارية وأشخاص أجروا عمليات جراحية.
القوة 100 و”التفتيش العنيف”
وبحسب التقرير، تعتبر العقوبات عنفًا خفيفًا نسبيًّا، لكن العنف الأكثر شدة كان يحدث أثناء عمليات التفتيش، كان التفتيش شيئًا عنيفًا للغاية بشكل عام، يقوم به فريق يُعرف بـ”القوة 100″.
وقال الجنود “في البداية لم نكن متأكدين مما إذا كان هذا شيئًا رسميًّا أو مجرد مجموعة من الأشخاص الذين أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم ووضعوا شارة على زيهم العسكري. لكن لاحقًا أصبح الأمر أكثر تنظيمًا”.
وأضافوا “كانوا من جنود الاحتياط، ولكن لديهم هالة من القوة والسلطة التي تسود الجيش الآن، كانوا يرتدون زيًّا تكتيكيًّا، ويمشون بأقنعة تزلج، ومعدات خاصة، وكان هناك نوع من السرية، قيل لنا إنهم من الوحدات الخاصة، وهم مخصصون للتعامل مع حالات الشغب الخطيرة”.
وبحسب الإفادة، كان هؤلاء يقومون بعمليات التفتيش، مرة أو مرتين في الأسبوع في كل زنزانة “وعندما كانوا يأتون للتفتيش، كان يأتي معهم عدد كبير من الأشخاص والضباط. لست متأكدًا من دورهم بالضبط، كانوا يقفون ويراقبون”.
وقال التقرير “خلال التفتيش، تأتي الفرقة التي يطلق عليها اسم (القوة رقم 100) المكونة من نحو عشرة جنود ضخام البنية ويرتدون أقنعة تزلج، ويجبرون جميع المعتقلين على الاستلقاء على بطونهم، مع وضع أيديهم خلف رؤوسهم”.
ونقل التقرير عن الشهود “في أول تفتيش رأيته، بعد أن استلقوا جميعًا، كانوا يخرجون 5 أشخاص وفقًا لنظام معين. كانوا يخرجونهم بعنف، ويفتشونهم، بعد أن يرمون بهم على الأرض. كان التفتيش يتم على الأرض وكانوا يضربونهم. لم يكن ذلك تفتيشًا عاديًا، كان أمرا عنيفًا للغاية”.
قائد المعسكر على علم بما يحدث
وأضاف “كانوا يأتون ومعهم قوائم بأسماء أشخاص، كانوا يعرفون من هم. كانوا يأخذونهم جانبًا ويضربونهم بشدة، القائمة أُعدت من قبل الشرطة العسكرية وليس المخابرات أو الشاباك والهدف لم يكن استخراج معلومات، وكانت الضربات قوية لدرجة أنني أعتقد أن الأسنان كانت تُكسر، والعظام كانت تُكسر، في كل مرة تقريبًا”.
وأورد التقرير قول الشاهد “رأيت تلك الضربات، كانوا نحو ستة أو سبعة من (القوة 100) يقفون حول شخص واحد ويضربونه. ضربات وصفعات ولكمات. في الجانب، كان هناك اثنان أو ثلاثة يحملون أسلحة ويوفرون الحماية، وكان هناك أيضًا كلب”.
وأكد التقرير أن الضباط كانوا على علم بما يحصل من تعذيب، وقال لم يكن الأمر يحدث في الخفاء، العمليات كانت تحصل في موقع الاحتجاز، لذا كان الجميع يرون ما يحدث، لم يكن الأمر من دون علم قائد المعسكر”.
التحريض على المعتقلين
وأورد التقرير حادثة ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلي، حيث احتج أعضاء كنيست على أخبار وصلت إليهم بشأن ادعاء قيام أسرى “بالتحرش” بإحدى المجندات.
وفند التقرير الحادثة وأرجعها إلى الوضع الصعب الذي كان يعيشه المعتقل منذ فترة طويلة داخل المعتقل دون تغيير ملابسه أو الاستحمام وكان يحاول أن يوضح الأمر.
وقال الجندي الذي أدلى بشهادته للصحيفة “في هذه الأثناء، استُدعي جندي من فصيلي، كان في منطقة الاستراحة، وكان دائمًا يتحدث عن رغبته في ضرب المعتقلين” وقام بضرب المعتقل ضربا مبرحا.
مساعدة نفسية للمجندات
ووصف التقرير حال المجندات الحارسات في المعتقل، جراء العنف والانتهاكات التي ترتكب ضد المعتقلين الفلسطينيين من قبل قوى الأمن الإسرائيلية، حيث تم استدعاء مساعدة نفسية للمجندات الحارسات.
وقال “في البداية، وصل أشخاص، بعضهم مصابون من المعارك، كانت مشاهد صعبة جدًّا، خاصة الذين تم أسرهم داخل إسرائيل وخضعوا لتحقيق ميداني قاسٍ. كان من الصعب على المجندات التعامل مع الأمر نفسيًّا، لذا أحضروا لهن أخصائي نفسي وتحدثوا معهن. بعد ذلك، عدن إلى العمل. كان هناك مجندات انهرن نفسيًّا بسبب ما شاهدنه”.