عَصيَّة على الشطب

بعيداً من العواطف والتمنّيات، يمكن توقّع أن تسفر الحملة البريّة التي ستشنّها الآلة الحربية الإسرائيلية على غزة عن شطب «حماس» من معادلة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الأمر الذي يبدّل التوازنات بين «محور الممانعة» الذي تقوده إيران وبين إسرائيل. وللتذكير، فإنّ تسمية «الصراع العربي الإسرائيلي» صارت من الماضي بعدما تآكلت «القضية المركزية»، خصوصاً بفعل احتلال صدَّام الكويت، والدور الفاعل لـ»حماس» و»الجهاد» وحليفهما «حزب الله» في تغيير العنوان من «الوطني العربي» الى «الديني الإيراني»، والذي وصلنا معه الى هذه الحال.

ولأنّ الضربة التي تلقّتها إسرائيل بعملية «طوفان الأقصى» كانت شديدة الإيلام، فيُرجّح ألا تقبل بأقل من إنجاز عسكري يتمثل بقتل قيادات «حماس» الميدانية ورفع معنويات جيشها عبر صوَر الدبابات قرب «مستشفى الشفاء»، حيث تشتبه في وجود «مدينة الأنفاق»، لكنّ إنجازها السياسي سيتمثل بحذف «حماس»، فاتحةً باب البدائل على المجهول، خصوصاً أننا لا نعرف شكل «القطاع» ومستقبل مهجَّريه بعد وقف النار.

لا نزال في بداية هذه الحرب التي لا يدري رئيس حكومتنا حامل أختام الرئاسة اليوم، ولا «المجلس الأعلى للدفاع» (أعلى؟)، هل يخوضها «حزب الله» كجزء من «وحدة الساحات»، أم أنّ «الحزب» سيُستدرج إليها لندفع معه ثمناً باهظاً لتفرّده بالقرار. لكن مهما كانت نتائجها سواء في غزة أم في لبنان، فإنها لن تتمكن من إلغاء حق الشعب الفلسطيني في إنهاء آخر «استعمار» على الكرة الأرضية، وفي وجوب تحقيق آماله في دولة مستقلة يمارس فيها سيادته وحقوقه الوطنية.

الصراع في فلسطين وعليها مستمر منذ ما قبل «وعد بلفور» (1917). صحيح أنّ الحرب الحالية هي الأشدّ وحشية وتجري تحت أعين الكاميرات، لكن كثيراً ممّا سبقها منذ «النكبة» (1948) كان كارثياً ولم يتمكّن من محو قضية تتجدد مع أجيال صمدت رغم عَسْف الاحتلال، ومع أحفاد شتات المخيمات الطامحين الى العودة والكرامة.

لن تستطيع إسرائيل والذين أذهلتهم عملية اختراق غلاف غزة من «مفكري» الغرب ومسؤوليه السياسيين التغطيةَ على «البربرية» الإسرائيلية بوصم «حماس» بالإرهاب، رغم أنّ قتل المدنيين يبقى مداناً في كل اتجاه. ولا مفرّ من العودة الى أصل المشكلة المتمثل بالاحتلال، وباعتبار إسرائيل أنّ الفلسطينيين هم «شعب بلا أرض»، وبسلوك يمينها الديني ويسارها الصهيوني الرافض مبدأ السلام والمراهن دائماً على دفع الفلسطينيين الى عنف يعطي ذريعة للاجتثاث. أمّا أبسط دليل على نيّات إسرائيل، فهو تفويتها المقصود فرصة السلام التاريخية مع رمز القضية الفلسطينية ياسر عرفات، ما أتاح تعزيز مواقع المزايدين من استبداديي العروبة وأصوليي الإسلام السياسي وإيران.

ضربُ غزة وقتل أطفالها لن يكونا نهاية المطاف، هما محطة في صراع لن ينتهي من دون عودة القضية الى حضنها العربي الطبيعي، ومن دون تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، والإقرار بأنّ لا حلول سياسية بلا حدٍ أدنى من الأخلاق.

نداء الوطن