كانت لافتةً دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخابات اللجان النيابية وأمناء السرّ والمفوّضين في إشارةٍ منه إلى أنّه ملتزم بالمواعيد التي تتيح استمرار المجلس في عمله ولا سيّما لجهة نقاش مشاريع واقتراحات القوانين. ووجّه الرئيس بري هذه الدعوة بغضّ النظر عمّا إذا كانت الجلسة ستنعقد أم لا لأنّ كتلاً كثيرةً تقول إنّها لن تشارك في جلسات نيابية طالما أنّ رئيساً للجمهورية لن ينتخب، ولكن الرئيس بري عوّل على أنّ النواب يريدون على الأقل الاستمرار في عمل المطبخ النيابي ألا وهو اللجان. دعوة الرئيس بري هذه كان يجب أن تحفّز قوى المعارضة وغيرها للمطالبة بتحديد جلسةٍ مفتوحةٍ وبدوراتٍ متتاليةٍ لانتخاب رئيس للجمهورية، ومن الملاحظ أنّ هذه المطالبة أصبحت شبه خافتةٍ منذ أن اندلعت عملية «طوفان الأقصى» وانكفأت الوساطات الفرنسية والقطرية، فتراجع ضغط المعارضة وكأنّ الإهتمام بضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي أصبح أيضاً في درجاتٍ متدنيةٍ من اهتمامات النواب اللبنانيين وقواهم السياسية ولا سيما من هم في المعارضة.
قد يقول البعض إنّ الظرف السياسي والعسكري حالياً لا يسمح بانتخاب رئيس للجمهورية، ولكنّ الردّ هو أننا أحوج ما نكون في هذا الظرف لرئيسٍ للجمهوريةِ يستطيع مع رئيسٍ للحكومة ووزراء فاعلين أن يجنّبوا لبنان تداعيات ما يحصل في محيطه وأن يسارعوا إلى تحصين الساحة الداخلية من النواحي المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والمالية وذلك من خلال قيام مسارٍ سياسي يعيد بناء هيكل السلطة التي يفترض بها أن تقود عمليةً إصلاحيةً واسعةً تدفع المجتمعين العربي والدولي إلى مساعدة لبنان حتى ولو كان الإهتمام الأول بما يجري في الساحة الإقليمية. إنّ مسؤولية المعارضة في هذا المجال كبيرة جداً فلا يجوز لها أن تقع في حال استسلام وانتظار بل عليها أن تواصل المطالبة والتحرّك لا بل أن تزيد ضغوطها تجاه القوى التي تعطّل الاستحقاق الرئاسي رافعةً شعارَ أنّ إعادة تكوين السلطة سيكون وسيلةً من وسائل عدم زجّ لبنان في حرب قد يدفع ثمنها غالياً. إنّ مسؤولية المعارضة تكمن في تحفيز الرأي العام اللبناني وتحريضه على أنّ مصلحته ومصلحة بلاده هما الأساس وأنّ اللبنانيين ليسوا مضطرين أن يعيشوا المزيد من المعاناة على مختلف الصعد وأنّ من يريد الصمود للبنان واللبنانيين في وجه أعداء لبنان وفي مقدّمهم إسرائيل عليه أن يحفظ أولاً استقرارهم الداخلي الذي لن يتحقّق إلا بسلطةٍ يتناغم فيها رئيس الجمهورية مع الحكومة ويعتمدون بياناً وزارياً ثلاثيته الأمن والاستقرار والازدهار.
*المصدر: نداء الوطن