لم تتعب الدول الأوروبية والغربية من إرسال رسائل تحذيرية إلى لبنان، وهذه الرسائل لا تدخل في سياق التهديد، بل في سياق الخوف على الوضع الداخلي اللبناني. وتُعتبر أوروبا من أكثر الدول إطّلاعاً على الوضع السياسي والإقتصادي الهشّ في بيروت، لذلك ترى أنّ دخول لبنان مدار الحرب سيجلب النار والخراب والدمار.
تُواصِل الدول الغربية نقل الضمانات إلى الحكومة اللبنانية من أن لا حرب إذا احترمت قواعد اللعبة جنوباً، وهذه الضمانة لم تعلنها فرنسا وحدها، بل توالى على إبلاغها للمسؤولين، كل من الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا ودول معنيّة بالشأن اللبناني.
ومن لا يقرأ الرسائل الغربية جيداً أو يقرأ الجزء الأول منها فقط، كأنه يقول «لا إله» وينسى «إلّا الله»، فالضمانات بعدم شنّ الحرب تترافق مع تحذير جدّي من تل أبيب مفاده إذا أقدم «حزب الله» على فتح الجبهة أو نفّذ عمليات كبيرة سيشهد لبنان دماراً أوسع وأقسى من دمار حرب «تموز»، وحرب غزة برهان بالحديد والنار على آلة التدمير الإسرائيلية. وبعد توالي التحذيرات، أتى دور بريطانيا لتنقل المخاوف إلى لبنان، ومعروف عن لندن قربها من إسرائيل، وهي التي أعطت وعد «بلفور» لليهود، وكذلك تُعتبر بريطانيا من الدول التي ترسم السياسات العالمية إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، ودورها في الحرب الأوكرانية أكبر دليل على تأثيرها في السياسات الدولية.
ونظراً إلى خطورة الوضع، دعت بريطانيا رعاياها لتجنّب السفر إلى لبنان والمغادرة سريعاً، ولم تقتصر رسائل التحذير على السفير البريطاني في لبنان هاميش كاول، بل وصلت مباشرةً من خلال وزارة الدفاع البريطانية، حيث نقل كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المارشال مارتن سامبسون إلى كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزاف عون صورة الوضع الإقليمي بعد عملية غزة، داعياً إلى العمل على تجنيب لبنان الحرب. ولم يقتصر نقل التحذير إلى القادة السياسيين والأمنيين اللبنانيين، بل تواصل سامبسون مع رئيس بعثة «اليونيفيل» وقائدها العام في لبنان الجنرال أرولدو لازارو، مؤكداً دعم بلاده دور قوات حفظ السلام في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الجنوب والمنطقة.
تنسّق لندن خطواتها مع واشنطن، وتعتمد منذ عام 2013 سياسة دعم الجيش اللبناني وتدريبه وتسليحه، وشاركت في تجهيز وتدريب أفواج الحدود البرّية الأربعة المنتشرة على الحدود الشرقية والشمالية. ويتواجد خبراء بريطانيون بشكل دائم في قاعدة حامات الجوية لتدريب الجيش، وقد جرت أخيراً مناورة مشتركة أُطلق عليها إسم «بيغاسوس سيدار» والتي صُنّفت على أنها أكبر تدريب عسكري مشترك لبريطانيا مع فوج المجوقل. يهمّ بريطانيا مثل أميركا والدول الغربية أمن إسرائيل، وهذا ليس سرّاً، لكن لندن مهتمة أيضاً بالإستقرار في لبنان، فقد دخلت في مجال الإستثمار في الأمن منذ عشر سنين ولا تريد أن تُسبّب أي حرب تدمير كل ما تمّ بناؤه. وتريد لندن الحفاظ على عدّة أمور في المرحلة المقبلة، وهي تتمثّل بالآتي:
أولاً- عدم إنجرار جبهة الجنوب إلى المواجهة المفتوحة، لأن نيران الحرب لا يعرف أحد إلى أين تصل.
ثانياً- الحفاظ على أساسات الدولة اللبنانية، ولا سيما على الجيش، إذا اندلعت مواجهة كبرى، وتعمل مع تل أبيب على تحييد الدولة اللبنانية وحصر القتال مع «حزب الله».
ثالثاً- العمل على الحفاظ على قوات الطوارئ الدولية في الجنوب، وعدم ضرب عملها أو تقليص عديدها أو حتى استهدافها سواء من «حزب الله» أو إسرائيل.
رابعاً- عدم هزّ الأمن والإستقرار في لبنان، لأنّ ذلك سيؤدي إلى إنهيار مؤسسات الدولة، عندها ستغرق أوروبا بالنازحين.
خامساً- تجنيب لبنان أي ضربة عسكرية، لأنّه عندئذ سينهار الوضع الإقتصادي أكثر، وسيصبح لبنان مصدراً للهزّات الأمنية لدول الجوار وحوض المتوسط.
صارت الحكومة اللبنانية على علم بالموقف البريطاني والغربي، فالحرب ستجلب النار والدمار إلى بلد يعاني، ولن يكون هناك من يقف إلى جانبه، بل تحاول الدول الفاعلة الوقوف إلى جانبه حالياً... وقبل فوات الأوان.
المصدر: نداء الوطن