التضامن مع فلسطينيي غزة، ومع كل الشعب الفلسطيني، في محنته المستمرّة، هو أقلّ الواجبات.
من الناحية الإنسانية هزّت الجرائم المرتكبة في القطاع ضمائر شعوب العالم. وقبل يوم التضامن العالمي لم تتوقّف التظاهرات والمسيرات الداعية لوقف الحرب. كلّ هذه التظاهرات تجري في عواصم ومدن الغرب، تعبّر بحرّية عن رأي القائمين فيها. لا ترفع صورة رئيس النظام ولا شعاراته، إنّما تحمل رأياً مضادّاً لرأي سلطات بلدانها التي تفرض عليها انظمتها الديمقراطية حماية حرّية التعبير لأيّ كان، قولاً وكتابةً وتظاهراً، لكنّها في القرار النهائي تلتزم بما تقوله صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة.
في الانتخابات فقط تتكوّن السلطة صاحبة القرار، إن كانت من رأي الغاضبين في الشوارع أو من أصحاب الرأي الآخر، ونتيجة الصندوق تفرض احترامها، والمسيرات المؤيّدة أو المعارضة يمكنها أن تستمرّ.
هذا يجري فقط في الدول الديمقراطية. لا شيء ممّا شهدناه في لندن أو باريس أو نيويورك يمكن أن نشهده في موسكو أو طهران أو دمشق، والنموذج العربيّ الفجّ في تحليلاته الاستراتيجية الحاسمة دعماً لفلسطين، كان سبق المجزرة الفلسطينية بتقديم صيغة لم تبلغها إسرائيل بعد.
النظام السوري، الذي أدلى بخطابه الوجودي في القمة العربية – الإسلامية، سبق العدو الصهيوني في البراميل التدميرية وتسجيل حصيلة قياسية في القتل والتهجير.
حتى العام الفائت، كان نصف الشعب السوري مهجّراً ومهاجراً.
خمسة ملايين من تعداده مسجّلين لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ثمانية ملايين فرّوا من بلادهم.
610 آلاف قتيل، وثّق منهم المرصد السوري بالأسماء نحو نصف مليون مواطن، بينهم أربعة آلاف فلسطيني من 150 الفاً طردوا من مخيمي اليرموك ودرعا...
كانت إيران وميليشياتها في المعركة إلى جانب النظام، وتلك كانت الحصيلة، واليوم هؤلاء في طليعة المتضامنين مع غزة وحربها حتى الفناء.
تستحقّ غزة أيّاماً وسنوات من التضامن الفعليّ. في اليوم الـ 66 لاندلاع الحرب، يكاد القطاع أن يُمحى.
61 في المئة من منازله جرى تدميرها، أي نحو 350 الف شقة سكنية. 18 الف ضحية و50 الف جريح وسبعة آلاف مفقود أكثرهم تحت الأنقاض.
مئات ألوف الناس يطردون من الشمال إلى الجنوب، ومن الجنوب إلى أماكن مجهولة ...
إنّها مأساة لا يمكن السكوت عنها. مرتكبوها يستحقّون الادانة والمحاسبة. واستمرارها مرفوض ومستهجن، ونهايتها لا يمكن أن تتمّ من دون حياة طبيعيّة للفلسطيني في أرضه ووطنه ودولته المستقلة.
إلاّ أنّه، حتّى الوصول إلى هناك، لا معنى للتضامن اذا لم يترجم بمقاربات عقلانية، تفرض بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه، وتوقف الحرب وتفتح الطريق أمام حلول معروفة العناوين ويمكن تحقيقها.
وهذا لا يستقيم مع متضامنين يقمعون شعوبهم ويتاجرون بقضية شعب آخر، ولا مع مغامرين من أجل برامج إقليمية وأمميات مذهبية، تجعل من الوطن والوطنية مجرّد ورقة في ألاعيب فاشلة.
*المصدر: نداء الوطن