شيء ما في ملف النازحين السوريين يذكّر بملف الأزمة المالية مع اندلاع احتجاجات تشرين الأول 2019 ونحن على مشارف ذكراها. الملفان من صنع محور الممانعة خدمةً لأهدافه، استفاد منهما وفاقمهما وصولاً إلى لحظة الانفجار، حينها تحوَّل إلى «أم الصبي» وأثارهما عبر «حزب الله» وخطابات أمينه العام حسن نصر الله، كذلك استثمر فيهما «التيار الوطني الحر» الذي يختصره رئيسه جبران باسيل بشخصه وحده دون غيره. ولم يفعل شيئاً عندما كان بالإمكان لجم الانهيار وبحث سبل المعالجة، إمّا للحد من الخطر أو لحلهما جذرياً.
فكلنا نذكر إجراءات الحكومة والجهات المالية المسؤولة وعلى رأسها وزارة المالية ومصرف لبنان، بعد وقوع الكارثة، والتي أدت إلى مزيد من سرقة المواطنين عبر الدعم وتهريب المواد المدعومة والمنصات وأسعار الصرف الرسمية وأسعار السوق السوداء والصرافين غير الشرعيين.
وكلنا نذكر أنّ أولاد المنظومة طبّقوا مصلحة الحزب الحاكم بأمر محور الممانعة، ونفضوا أيديهم من جرائمهم، وكانوا شهود زور في الاتهامات الإعلامية لحاكم مصرف لبنان السابق والمطلوب للعدالة والمتواري عن الأنظار رياض سلامة، وهم سهّلوا حمايته وتجنيبه مساءلة القضاء الدولي والمحلي ليحموا ارتكاباتهم، أولاً وأخيراً. وأكثر من ذلك، كان ارتباط المحور الممانع وأذرعه وثيقاً مع سلامة، الذي قدّم خدمات جليلة للحزب، وتحديداً لجهة تبييض أموال وما إلى ذلك. وعلى امتداد الأزمة المالية كانت مافيا النهب، ولا تزال، جاهزة ومنظّمة وحاضرة لمزاولة نشاطها فور تلقيها كلمة السر.
وفي حال ملف النزوح، الأمر مشابه، منذ بدأت الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، فتح المحور الممانع الباب أمام مافيات تحظى برعايته ويحظى بخدماتها على جانبيْ الحدود بين لبنان وسوريا، فكان تهريب البشر والبضائع والكبتاغون، وصولاً إلى ما نحن فيه اليوم من واقع يهدد تركيبة لبنان. وعلى امتداد الأزمة، كان صمت أولاد المنظومة خدمة للمحور الممانع جريمة موصوفة.
ومع عجز هذا المحور عن فرض رئيس للجمهورية على قياس مشروعه، ومع عجز النظام الأسدي عن قمع الاحتجاج المتصاعد ضده، بمعزل عن بدع التطرف الداعشي وما إليه، وبمعزل عن رفض هذا النظام ولمصلحة رأس المحور ذاته ضبط الحدود لوقف تهريب الكبتاغون وإعادة النازحين وإصلاح الدولة، كان يجب تضخيم الأزمة ورمي كل النقاط الساخنة في أتونها. وأيضاً تبيّن أنّ المافيا ذاتها جاهزة ومنظمة وحاضرة لمزاولة نشاطها فور تلقيها كلمة السر وعلى جانبيْ الحدود هذه المرة.
ولم يمنع هذا الواقع المفضوح المحور الممانع من توجيه مسار لبنان نحو خريطة طريق انتحارية، وأيضاً لم يمنع ذلك لجوء باسيل إلى استغلال وجع اللبنانيين ليحوّل شخصه رأس حربة شعبوية، وبعد انتهاء وظيفة الهجوم على سلامة، ها هو يهاجم قائد الجيش جوزاف عون ليقطع عليه طريق الترشح لكرسي بعبدا، ويستجدي زيارات أوروبية تصب في الدعاية المطلوبة لتعويم نفسه ورفع العقوبات الأميركية بتهمة الفساد عنه.
وفي الملفيْن نجد أنّ التنسيق متكامل ومثمر بين محور الممانعة وحليفه اللدود جبران باسيل، وفق حاجتهما إلى الابتزاز والاستغلال. وهو تنسيق يتجاوز الصراع على السلطة والنفوذ من خلال شل انتخاب رئيس للجمهورية، ما يوحي بتوزيع أدوار ضمني على الرغم من كل ما يخرج إلى العلن.
ففي المحصلة، اختلاق الأزمة ومن ثم المتاجرة بها وبالنازحين وباللبنانيين، هي الوسيلة الفضلى لإنجاز الصفقات المحلية والدولية، وتنفيذ المشاريع المرسومة ومواصلة الاحتلال ومصادرة السيادة. لذا يمكن اعتبار الأزمتين مفيدتين للاستثمار بالتوافق والتضامن بين المحور الممانع وكل من يسعى لصفقة تضمن إحكام السيطرة على البلد.
*المصدر: نداء الوطن