منذ بدأت غزوها لأوكرانيا شتاء 2022، لم تتوقف روسيا عن ترداد تهديدها باستخدام السلاح النووي التكتيكي. وكثرة تكرار روسيا لهذا التهديد، خاصة على لسان الرئيس الروسي الأسبق دمتري ميدفيديف، جعله شبه فارغ من أي اثر على أعداء روسيا، بل يعتبروه خداعاً. في كل مرة كانت روسيا تستخدم التهديد للرد على خطوة ما للغرب، تعتبرها تصعيداً في حربها ضده عبر أوكرانيا، سيما بعد إنتشار أنباء عن عزم الولايات المتحدة نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا. في الفترة الأخيرة، ولأسباب عديدة أهمها الهجوم الروسي على إتجاه خاركوف، تراجع الغرب عن الحظر الذي كان يفرضه على أوكرانيا باستخدام الأسلحة الغربية لقصف الأراضي الروسية. واعتبرت روسيا هذا التراجع بمثابة إنخراط مباشر للغرب في الحرب الأوكرانية.
موقع المجمع الإعلامي االكبير RBC نشر في 29 المنصرم نصاً تحدث فيه إلى محاضر في مدرسة الإقتصاد العليا في موسكو عن إقتراحه إجراء تفجير نووي ميداني لإثبات مصداقية تهديد روسيا المتكرر بالسلاح النووي. المحاضر ونائب مدير برامج البحث في مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسي Dmitry Suslov قال بأنه إقترح في مقالة نشرها في دورية روسية إجراء تفجير نووي إستعراضي في منطقة محايدة أو على الأراضي الروسية. ونقل عنه الموقع قوله بأنه اقترح إجراء التفجير في أعالي القطب المتجمد الشمالي، حيث كان الإتحاد السوفياتي يجري تجاربه النووية. واستدرك بأنه لا يقترح إجراء التفجير فوق أوكرانيا أو داخلها، كما لايقترح إجراءه على أراضي أي دولة أخرى.
يبرر المحاضر إقتراحه بالقول أن الغرب في الفترة الأخيرة أخذ يعتبره من قبيل الخداع إعلان روسيا عن إستخدام السلاح النووي او إجراء مناورات تستخدم السلاح النووي التكتيكي. ولكي تثبت روسيا أن هذا ليس من قبيل الخداع، ينبغي الإنتقال من الكلام إلى خطوات ملموسة. ويرى أن التفجير النووي الإستعراضي هو الخطوة الأكثر وضوحاً لإثبات إستعداد روسيا لإستخدام السلاح النووي في حال إندلاع حرب مباشرة مع الناتو. ويعتبر أن النقاش داخل البلدان الأوروبية والولايات المتحدة بشان السماح لأوكرانيا باستخدام السلاح العربي لقصف الأراضي الروسية، يشير إلى تزايد خطر إندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا والناتو. وينقل المحاضر عن Washington Post إشارتها إلى كلام دونالد ترامب للمتبرعين لحملته الإنتخابية بأنه كان ليقصف موسكو وبكين لو كان رئيساً للولايات المتحدة.
يقتبس الموقع عن مقالة Suslov في الدورية الروسية Profil مقطعاً يقول فيه بأن روسيا بحاجة لتذكير العالم ماهي الحرب النووية، "ما هي الغيمة النووية" ( الكاتب يفضل تسميتها الفطر النووي). يجب تذكير العالم بالرعب الذي يمكن أن ينشأ من حرب نووية لكي "نظهر" أن هذا الواقع يمكن أن يعود، ولا ينبغي بحال من الأحوال أن يبلغ ما هو عليه الآن، وأنه يجب على الغرب أن يتوقف وألا يوصل الأمور إلى المواجهة المباشرة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، "والتي نقف الآن على عتبتها".
يشير الموقع إلى نص نشره صيف العام المنصرم على موقع وكالة نوفوستي الرئيس الفخري لهيئة رئاسة غرفة المبادلات المالية الروسية Sergey Karaganov تحت عنوان "لا خيار آخر: يتعين على روسيا توجيه ضربة نووية لأوروبا". وعبر الرئيس الفخري في نصه عن الأمل بألا تحتاج روسيا لاستخدام السلاح النووي. لكنه استدرك بالقول أنه إذا لم يعد الأعداء إلى رشدهم، ستواجه القيادة السياسية العسكرية الروسية خياراً أخلاقياً رهيباً وضرورة إتخاذ قرار ثقيل الوطأة.
مدون روسي ناقش على مدونته alex-rozoff في منصة LiveJournal مقالة Suslov التي عنونها بالقول "آن الأوان للتفكير بإنفجار نووي إستعراضي". بعد أن أشار المدون إلى أن Suslov قدم لاقتراحه ب"كمية كبيرة" من الكلام عن الجيوسياسة، اقتبس من المقالة مقطعاً يبرر فيه المحاضر سبب تقدمه باقتراحه التفجير النووي الإستعراضي. فالتفجير، برأيه، هو لتأكيد جدية نوايا روسيا وإقناع خصومنا باستعداد موسكو للتصعيد. والتأثير السياسي النفسي الناجم عن الغيمة النووية ، والذي سيظهر على كل شاشات التلفزة في العالم، يأمل أن يعيد للسياسيين الغربيين ذلك الأمر الوحيد الذي حال دون الحرب بين الدول العظمى بعد العام 1945 ــــ الخوف من الحرب النووية الذي فقدوا معظمه الآن.
يلخص المدون في عدد من النقاط ردوده على ما جاء في إقتراح Suslov وتبريره. ويقول في النقطة الأولى أن الكاتب يقترح تفجيراً نووياً إستعراضياً وليس حربياً، وذلك لإحداث التأثير السياسي النفسي الذي سيعرض على شاشات التلفزة في العالم. يستغرب الحديث عن تأثير متوقع، فالكل شاهد الغيمات النووية لأن التجارب النووية مستمرة حتى يومنا هذا. ويذكّر بالإختبار النووي الحراري الذي أجرته كوريا الشمالية خريف العام 2017، وبلغت قوته التفجيرية 100 ألف طن.
في النقطة الثانية يشير المدون إلى أن التهديد بالسلاح النووي ذُكر مئات المرات بعد العام 1945، ولم ينفذ ولا مرة، وأصبح صيغة فارغة للخطاب السياسي. ويستغرب المدون حديث المحاضر في النقطة الثالثة عن أن التفجير النووي الإستعراضي يعيد الخوف للسياسيين الغربيين. ويقول أن الخوف عند هؤلاء يظهر أو يختفي نتيجة لتقييم واقعية التهديد والأهداف التي يتوخاها. ويتحدث في الرابعة عن ما ورد في إتفاقية حظر الصواريخ متوسطة وقريبة المدى التي ألغيت عمليا العام 2019، ويقول أن الإتفاقية تحدثت عن الدفع الذي تعطيه للتقدم العلمي الصناعي لتطوير وسائل الهجوم الحديثة بدل دبلوماسية الردع النووي. ويخاطب المحاضر بالقول أن من المستبعد أن يحدث أي تأثير التفجير الإستعراضي الميداني للأدوات النووية القديمة، سوى تبرير تسريع تصميم وسائل إعتراض هذه الأدوات. ويوجز المدون مناقشة إقتراح التفجير النووي الإستعراضي بالقول أنه لو اعتمدنا لغة البورصة، لأمكن القول بأن تصنيف هذا التهديد هبط إلى مستوى القمامة.
موقع news.ru الروسي نشر في 31 المنصرم نصاً تحدث فيه عن تحذير لافروف شديد اللهجة للولايات المتحدة، وعن المكان الذي يمكن أن تجري فيه روسيا تفجيراً نووياً. قدم الموقع للنص بالإشارة إلى أن لافروف تحدث عن تدابير جديدة بشأن الردع النووي إذا نشرت الولايات المتحدة صواريخ متوسطة وقريبة المدى في أوروبا وىسيا. كما أشار الموقع أيضاً إلى أن مجلس السياسة الخارجية والدفاعية إقترح إجراء تفجير نووي إستعراضي لتخويف الغرب.
اشار الموقع إلى تصريح لافروف في 30 المنصرم بأن قرار الرد على خطوة نشر الصواريخ الأميركية يقع ضمن صلاحيات الرئيس بوتين. وأكد أن نشر الصواريخ الأرضية الأميركية هو بمثابة تهديد مباشر لروسيا والصين، ولذا سيعمد البلدان لتوسيع التعاون بينهما بغية التصدي لسلوك واشنطن غير المسؤول، والذي يزعزع الإستقرار الدولي.
نقل الموقع عن نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي (الدوما) Alexey Zhuravlev قوله أن بوسع روسيا الرد على السلوك الأميركي بنشر الصواريخ في البلدان القريبة من الولايات المتحدة مثل كوبا وفنزويلا والمكسيك.
قال الموقع بأن السماح لأوكرانيا بمهاجمة روسيا بالسلاح الغربي يعني دخول الولايات المتحدة والناتو في مواجهة مباشرة مع روسيا واندلاع الحرب العالمية الثالثة. ونقل عن Dmitry Suslov المذكور قوله بأنه على ثقة بأن الحؤول دون هجمات كييف ليس ممكناً سوى بتشديد سياسة الردع. ويدخل الموقع بعد ذلك في تفاصيل إقتراح التفجير النووي الإستعراضي.
المصدر: المدن