لم يعد ملف جيفري إبستين مجرد قضية جنائية طواها الموت برحيل صاحبها في زنزانته، بل تحول إلى زلزال سياسي يضرب أركان واشنطن اليوم. ففي تطور دراماتيكي، وتحت وطأة تشريعات أميركية جديدة فرضت الشفافية، أفرجت وزارة العدل عن آلاف الوثائق والصور التي كشفت عن وجه آخر لنخبة العالم، في مشهد يمزج بين السلطة، المال، والانحدار الأخلاقي.
فقد شهدت الساعات الأولى للنشر حالة من الارتباك المنظم داخل أروقة وزارة العدل، حيث تم حذف ما لا يقل عن 16 ملفاً بعد دقائق من رفعها على الموقع الرسمي. فقد كان أبرزها الملف 468، الذي احتوى على صور تجمع الرئيس دونالد ترامب وزوجته ميلانيا مع إبستين وغيسلين ماكسويل. ورغم تبرير الوزارة بأن الحذف كان إجراءً احترازياً لحماية خصوصية الضحايا، إلا أن إعادة نشرها لاحقاً لم تمنع تصاعد أصوات النقاد الذين وصفوا المشهد بمحاولة فاشلة لتبييض السجلات،
فعند النظر إلى حجم التعتيم. فمن بين آلاف الأوراق، اصطدم الباحثون بـ 550 صفحة طُمست بالكامل باللون الأسود، وثائق حساسة، مثل محاضر هيئة المحلفين الكبرى في نيويورك (Grand Jury-NY)، بدأت ككتل سوداء صماء، مما يطرح سؤالاً جوهريا، من تحمي السلطات بهذا الحبر الكثيف؟ هل هم الضحايا حقاً، أم أنها الرؤوس الكبيرة التي لا تزال تملك نفوذاً يحول دون كشف المستور.
تجاوزت الوثائق الصور البروتوكولية لتكشف عن آلة التجنيد التي أدارها إبستين. شهادات صادمة تعود لعام 2007 كشفت عن شبكة استدراج كانت تستهدف طالبات المدارس الثانوية، حيث كان الملياردير الراحل يدفع 200 دولار مكافأة عن كل فتاة جديدة يتم إحضارها. الأخطر من ذلك هو ما ورد عن وجود ضحايا لم تتجاوز أعمارهم 14 عاماً، مما يحول القضية من فضيحة مشاهير إلى جريمة اتجار بالبشر واسعة النطاق تمت تحت سمع وبصر جهات نافذة لسنوات.
وبين كلينتون، أندرو، وجاكسون، شبكة بلا حدود
لم تفرق الصور بين يمين ويسار أو سياسة وفن؛ فقد ظهر الرئيس الأسبق بيل كلينتون في لقطات تعزز الجدل حول علاقاته بإبستين، بينما ظهر الأمير البريطاني أندرو في وضعيات وصفتها التقارير بالمحرجة مع نساء تم تعتيم وجوههن. ولم يسلم حتى عالم الفن، حيث وردت أسماء مثل مايكل جاكسون وميك جاغر في سياقات استقصائية تضع إرثهم تحت مجهر التساؤل، هذا الكشف المتدرج للحقائق، ورغم ما يحيط به من تعتيم، يشير إلى أن جدار الصمت بدأ يتصدع، والمعركة اليوم في واشنطن ليست على المعلومات فحسب، بل على الرواية التاريخية، فبينما تحاول المؤسسات الرسمية السيطرة على الضرر، يصر الرأي العام على معرفة الحقيقة كاملة دون مربعات سوداء.