في الوقت الذي يبحث فيه الإنسان عن السكينة داخل منزله وبين أفراد أسرته، كشفت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان عن فاجعة هزت بلدة العاقبية في قضاء صيدا، حيث لم يكن الموت زائراً طبيعياً، بل كان غدراً خطط له أخٌ لينهي حياة شقيقه في أكثر لحظاته ضعفاً.
بدأت فصول هذه المأساة في 19 كانون الأول 2024، حين وصل الشاب السوري ي. ج.، مواليد 2004 جثة هامدة إلى أحد مستشفيات منطقة الصرفند. خلف الجثة، كان يقف شقيقه الأكبر ع. ج.، مواليد 2000 يروي قصةً بدت للوهلة الأولى منطقية في سياق المآسي اليومية، إذ ادعى أنه عثر على شقيقه صباحاً داخل منزلهما وفي رقبته حبل، في إيحاءٍ صريح بأن الشاب قد أنهى حياته بيده.
لكن، وخلف هذا الهدوء المصطنع، كانت عيون شعبة المعلومات تقرأ ما بين السطور. فالحبل الذي لُف حول العنق لم يترك خلفه آثار انتحار بقدر ما ترك علامات استفهام جنائية. وبناءً على أوامر فورية، انطلقت التحريات الميدانية والاستعلامية المكثفة التي لم تستغرق طويلاً لتضع الشقيق المخبر في دائرة الاتهام المباشر.
لم تكن الرواية التي قدمها الأخ سوى محاولة يائسة لتضليل العدالة، إذ كشفت التحقيقات أن وراء جدران ذلك المنزل خلافات شخصية كانت تغلي فوق صفيح ساخن، حتى قرر الشقيق الأكبر حسمها بطريقة دموية.
أمام الحقائق الدامغة التي واجهته بها عناصر الشعبة، انهار الجاني ليعترف بما هو أبشع من القتل نفسه. لم تكن الجريمة وليدة لحظة غضب عابرة، بل كانت عن سابق تصور وتصميم. اعترف القاتل بأنه انتظر شقيقه حتى استغرق في نومه، تلك اللحظة التي يسلم فيها الإنسان روحه لخالقه ويطمئن لمن حوله، ليقوم بلف الحبل حول عنقه وخنقه حتى فارق الحياة.
تطرح هذه الجريمة تساؤلات حادة حول الحالة الاجتماعية والنفسية التي وصلنا إليها
عن انهيار مفهوم السند فكيف يتحول الأخ من حامٍ لشقيقه إلى متربص ينتظر لحظة نومه لقتله؟ هذه الجريمة تعكس تآكلاً مخيفاً في الروابط الأسرية التي كانت تُعد الحصن الأخير للفرد.
فلجوء شاب في مقتبل العمر (24 عاماً) إلى التخطيط لقتل شقيقه (20 عاماً) بسبب خلافات شخصية"يشير إلى غياب تام للوازع الأخلاقي والقدرة على حل النزاعات بغير العنف.
ومحاولة الجاني تصوير الجريمة كعملية انتحار تظهر بروداً أعصاب إجرامياً، مما يستدعي من الأجهزة الأمنية والقضائية الحذر الدائم تجاه الروايات الأولية في حالات الموت المشبوه.
أُودع الجاني المرجع القضائي المختص لينال عقابه، لكن الحكم القضائي -مهما كان عادلاً- لن يرمم الثقة التي انكسرت، ولن يعيد الحياة لشاب قتله من كان يُفترض أن يسهر على راحته. هي صرخة تحذير من مجتمع بات فيه النوم بجانب الأقرباء يتطلب حذراً، والحبل أداةً لقطع أقدس الروابط.