لم تكن ليلة عادية تلك التي استفاقت فيها بلدة الشيخ عياش العكارية على وقع جريمة هزت أركان المجتمع المحلي، ليس فقط لبشاعتها، بل لكونها وقعت داخل جدران البيت الواحد، حيث تداخلت صلة الرحم بدماء الغدر، وتحولت فيه الأخت من سكنٍ وملاذ إلى قاضٍ وجلاد.
تبدأ فصول الحكاية المريرة مع الشاب (ب. ع)، الذي لم يتجاوز ربيعه العشرين، حين قادته الظروف أو الأطماع لمحاولة سرقة منزل شقيقته. وبحسب المعطيات الميدانية، لم تكن الشقيقة وزوجها غافلين عما يحدث، فبدلاً من اللجوء إلى السلطات الأمنية أو احتواء الموقف عائلياً، اختارا طريقاً أكثر دموية.
وتشير المعلومات إلى عملية استدراج محكمة نُصبت للشاب داخل المنزل، حيث تحول مسرح السرقة المفترض إلى ساحة إعدام ميداني. هناك، انهال الزوجان بالضرب المبرح على الشاب العشريني، مستخدمين العنف المفرط الذي لم يتوقف إلا بجسدٍ هامد، ليفارق الحياة متأثراً بجراحه تحت سقف منزل كان من المفترض أن يكون آمناً له.
ومع بزوغ معالم الجريمة، حضرت قوة من الجيش اللبناني إلى المكان فور إبلاغها، لتبدأ التحقيقات في ملابسات الواقعة. إلا أن الجناة الأخت وزوجها كانا قد اختارا الفرار إلى جهة مجهولة، تاركين خلفهما جثة الشاب وأسئلة لا تنتهي، في محاولة للتنصل من عواقب فعلتهما التي تجاوزت منطق الدفاع عن الممتلكات إلى القتل العمد.
تضعنا هذه الجريمة أمام مرآة واقع اجتماعي مأزوم، ويمكن قراءتها من عدة زوايا، أولاً غياب دولة القانون واستبدالها بشريعة الغاب إن إقدام الشقيقة وزوجها على ضرب الشاب حتى الموت يعكس تآكلاً مخيفاً في الثقة بمؤسسات الدولة. فبدلاً من الاتصال بالقوى الأمنية لتوقيف السارق، نَصَبَ أصحاب المنزل أنفسهم محكمة ميدانية، مما يكرس فكرة القصاص الشخصي الذي يهدد السلم الأهلي.
ثانياً، تفكك الرابطة الأسرية أمام المادة فاصبح الأخ مجرد هدف للتصفية بسبب محاولة سرقة، هو مؤشر خطير على تغلب القيمة المادية على القيمة الإنسانية وصلة الدم. الجريمة تكشف عن هشاشة الروابط التي كان يُفترض أنها المقدس الأخير في المجتمع اللبناني، وثالثاًمأساة جيل العشرين، فوجود شاب في سن العشرين يحاول سرقة منزل شقيقته يفتح جرحاً غائراً حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتردي في مناطق الشمال اللبناني، حيث يغيب التوجيه وتنسد الآفاق، مما يدفع بالشباب نحو الانحراف أو نهايات مأساوية كهذه.