تواجه مجموعة فاغنر الروسية أول اختبار جدي لقدرتها على تنفيذ مخططات سرية في أفريقيا، بعد فشل محاولة التمرد الذي قاده زعيمها، يفغيني بريغوجين، ضد القيادة العسكرية في موسكو.
وبحسب المعلومات، فإن فاغنر تسعى لدعم رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، فوستين أرشانج تواديرا، الذي كان قد دعا إلى استفتاء مثير للجدل في 30 يوليو الحالي لتعديل الدستور بما يسمح له بالترشح لولاية رئاسية ثالثة.
وأثارت تلك الدعوة المزيد من التوترات السياسية في بلد يقاتل جيشه جماعات متمردة منذ نحو عقد من الزمان، في حين يدين تواديرا ببقائه على قيد الحياة لمقاتلي فاغنر الذين وصلوا في العام 2018 إلى البلاد لدعم جيش جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث منع مرتزقة المجموعة محاولة تمرد في البلاد.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت جمهورية أفريقيا الوسطى وسيلة لتحقيق طموحات روسيا في القارة السمراء ودولة عميلة لموسكو، وفقًا لدبلوماسيين غربيين في العاصمة بانغي، وذلك وسط تكهنات بأن تواديرا أصبح الآن رهينة بيد مقاتلي فاغنر الذين يوفرون له الأمن الشخصي، إلى جانب ثلة من الجنود الروانديين.
واتُهم المرتزقة الروس بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في ذلك البلد الأفريقي الفقير، بما في ذلك مذبحة للمدنيين وقعت يومي 16 و17 يناير من العام الماضي وأودت بحياة العشرات.
وأصبحت قدرة فاغنر على الاستمرار في تقديم خدمات الأمن إلى البلدان الأفريقية موضع شك منذ فشل تمرد بريغوجين الشهر الماضي.
وفي البداية، وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، زعيم فاغنر بأنه "خائن" بسبب مسيرته المجهضة إلى موسكو، لكنه أسقط جميع التهم عنه وعن مرتزقته فيما بعد.
وتقول مديرة شؤون وسط أفريقيا في مجموعة الأزمات الفكرية، إنريكا بيكو: "لا يزال تحالف المتمردين منقسم على نفسه للغاية، لكنهم قد يستغلون الفراغ الأمني الذي خلفته فاغنر لاستعادة السيطرة على بعض المناطق".
وأكد دبلوماسيون ومسؤولون أمنيون في بانغي أن 200-600 فرد من فاغنر قد غادروا جمهورية أفريقيا الوسطى خلال الأسبوع الماضي.
واعتبر بعضم أن رحيل تلك الأعداد من المرتزقة قد يكون إعادة انتشار روتينية أو مرتبطًا ببداية موسم الأمطار، على الرغم من أن قائد فاغنرفي جمهورية أفريقيا الوسطى، فيتالي بيرفيليف، نفى وجود أي تغيير.
وأعلن بيرفيليف لصحيفة فاينانشال تايمز : "ما زلنا في بانغي والأقاليم الأخرى.. لا توجد أي مشاكل، ونحن باقون في أفريقيا".
ولدى فاغنر صفقة أمنية مماثلة مع المجلس العسكري في مالي الذي استأجر المرتزقة في العام 2021 لمحاربة تمرد أصولي طويل الأمد، بالإضافة إلى تواجد قوات تلك المجموعة الخاصة في ليبيا والسودان.
وحذرت الأمم المتحدة من مخاوف أمنية واحتمال اندلاع أعمال عنف بسبب الاستفتاء المثير للجدل، إذ قال محللون إن تواديرا كثف من اعتقالات المعارضين المحتملين في الأسابيع الأخيرة لمكافحة الاضطرابات المتزايدة.
ولا يزال مصير عمليات فاغنر في الخارج غير مؤكد، فقد اعترف الكرملين بأن بوتين أجرى محادثات وجهاً لوجه مع بريغوجين وقادة فاغنر ما يشير إلى انفتاح موسكو على استمرار عمليات مجموعة المرتزقة في الخارج.
كما أشار ألكسندر إيفانوف، رئيس اتحاد ضباط الأمن الدولي الروسي، إلى أن المجموعة التي أرسلت المدربين العسكريين بعد عقد الصفقة مع تواديرا، في نهاية هذا الأسبوع أن فاغنر ستبقى في جمهورية إفريقيا الوسطى حتى ينام السكان وهم يشعرون بالأمان والسلام.
وأضاف: "لقد تحدثت مع يفغيني بريغوجين، وأكد أن المساعدة لجمهورية أفريقيا الوسطى ستستمر بالكامل".
وتجاهل فيدل جوانجيكا، أحد كبار مستشاري تواديرا، المخاوف الأمنية المتعلقة بالاستفتاء، موضحاً أن "فاغنر ليسوا هناك لتأمين الانتخابات، إنهم هنا لمحاربة الجماعات المتمردة".
وتابع أن مهمة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هي حماية عملية الاستفتاء.
وبشأن احتمال مغادرة فاغنر، أجاب جوانجيكا: "إذا قرر الكرملين عودة المدربين الروس إلى بلادهم، فإن موسكو ستسد الفجوة بجنود آخرين، اتفاقنا يجب أن يستمر، لقد حصلنا على تطمينات من الكرملين ".
ويقول مسؤولون أجانب إن أي سحب لأفراد فاغنر قد يكون حيلة تهدف إلى إجبار تواديرا على دفع المزيد مقابل خدماتهم.
وتجدر الإشارة إلى أن فاغنر سيطرت بالفعل على مناجم الذهب والألماس المربحة في جمهورية أفريقيا الوسطى مقابل خدماتها الأمنية.
وفرضت الولايات المتحدة الشهر الماضي عقوبات على مجموعة من الشركات في جمهورية أفريقيا الوسطى اتهمتها بالارتباط بمجموعة فاغنر.
وحتى بعد أي انسحاب، سيظل لدى فاغنر حوالي 1000 عنصر من المرتزقة الروس في جمهورية أفريقيا الوسطى، كما يقول محللون، فإلى جانب المتمردين السابقين المحليين الذين تستأجرهم لمهام معينة، لا يزال الجزء الأكبر من قوات فاغنر هناك وسيساهم في تأمين المواقع الإستراتيجية، وفقاً لإنريكا بيكو.