شهدت بيروت الكبرى مؤخراً واحدة من أخطر القضايا التي تمس الأمن الصحي للمواطنين، حيث نجحت المديرية العامة لأمن الدولة في الكشف عن شبكة إجرامية مُنظمة تخصصت في انتحال صفة طبيب تجميل وتزوير المستحضرات الطبية الخطيرة. القضية التي انطلقت من الحازمية، سرعان ما اتسعت لتكشف عن معمل سري يهدد بالمواد المزورة عشرات اللبنانيين الساعين للجمال.
تفجّرت القضية بتوقيف دورية من مكتب بعبدا الإقليمي التابع لأمن الدولة للبناني (ع. ك.) في محلة الحازمية. كان (ع. ك.) ينتحل صفة طبيب تجميل ويقوم بتقديم خدمات تجميلية، تحديداً حقن البوتوكس والفيلر، لزبائنه، واصفاً إياها بكلمة "مضروبة" في إشارة إلى رداءتها. وقد نفذ الموقوف عشرات العمليات مستخدماً مستحضرات تجميل مزوّرة ومقلّدة، معرضاً حياة زبائنه لمخاطر صحية جسيمة.
لم يقف التحقيق عند الموقوف الأول. فسرعان ما تتبعت خيوط الشبكة لتصل إلى الشريك الأساسي، اللبناني (أ. ح.). وبناءً على التحقيقات، داهمت دورية أمن الدولة منزل (أ. ح.) في منطقة الرمل العالي على طريق المطار، وهناك كانت المفاجأة الأكبر.
فلم يقتصر دور (أ. ح.) على كونه شريكاً فحسب، بل تبين أنه كان يدير "معملاً سرياً للتزوير". حيث تم ضبط كميات كبيرة من الملصقات والمستحضرات التي تُقلد منتجات تجميل ألمانية، والتي كان يتم استخدامها لتغليف وتزوير المواد الطبية المستخدمة في الحقن. وإضافة إلى جريمة التزوير الخطيرة، عُثر داخل منزله على أسلحة حربية، مما يؤكد الطبيعة الإجرامية المُنظمة لهذه الشبكة.
وأثمر التحقيق السريع والمكثف عن ضربة قاضية للشبكة على أكثر من صعيد، لتشمل جميع رؤوسها التشغيلية، فتم ختم مركز التجميل الواقع في منطقة المريجة بالشمع الأحمر. ويُشار إلى أن هذا المركز يعود ملكيته إلى الفار (م. ح.)، وهو نجل الموقوف (أ. ح.)، مما يوضح تورط أفراد العائلة في هذه الأعمال غير المشروعة، كما تمكنت دورية أخرى من توقيف المتهمة (ز. غ.) في محلة حارة حريك، وهي المشرفة على عيادة أخرى كانت تابعة لهذه الشبكة.
وأكدت المديرية العامة لأمن الدولة التزامها الكامل بمواصلة الملاحقات لتوقيف جميع المتورطين الآخرين الذين قد يكونون ساعدوا هذه الشبكة على العمل والانتشار، تنفيذاً لإشارة القضاء المختص.
تُعد هذه القضية دليلاً صارخاً على هشاشة الرقابة الصحية في لبنان، والتي تسمح لشبكات إجرامية بالعمل دون رادع، مستغلة رغبة المواطنين في الحصول على خدمات تجميل بأسعار مُخفضة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة. فالتلاعب بمستحضرات التجميل وحقن البوتوكس والفيلر يضع عشرات الضحايا أمام خطر الإصابة بأمراض مزمنة أو تشوهات دائمة.
في حين تستحق جهود أمن الدولة الثناء الكبير، يبقى السؤال معلقاً، ما هي الإجراءات الجذرية التي ستتخذها وزارة الصحة والقضاء لضمان عدم تكرار هذه الجرائم؟ وهل يجب أن تتجاوز العقوبات مجرد الإغلاق لتشمل أحكاماً رادعة ضد كل من يتلاعب بصحة المواطنين، وتحقيق رقابة صارمة تضمن أن كل إبرة تدخل جسد اللبنانيين هي آمنة ومرخصة.