مداهمة تُسقط شبكة في بر الياس

في الوقت الذي يصارع فيه المواطن اللبناني لتأمين لقمة عيشه، تطل "مافيا الغذاء" برأسها من جديد، متخذة من أمن الناس الصحي سلعة للمتاجرة والربح الحرام. وفي عملية نوعية اتسمت بالدقة والمباغتة، تمكنت شعبة المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من وضع حد لمجزرة صحية كانت تُحاك خيوطها داخل أحد المستودعات في منطقة البقاع.
فقد بدأت فصول القضية بمعلومات استخباراتية تقاطعت لدى شعبة المعلومات حول نشاط مشبوه لأشخاص مجهولين يقومون بتخزين وبيع مواد غذائية فاسدة ومنتهية الصلاحية. لم يطل الانتظار، إذ باشرت القطاعات المختصة إجراءاتها الميدانية لكشف مستودع في بلدة بر الياس البقاعية، يديره شخصان من الجنسية السورية هما (م. ح.، مواليد 1996) و(ع. ح.، مواليد 2001).
وبعد مراقبة دقيقة ومستمرة، نفذت قوة من الشعبة بتاريخ 15 ديسمبر 2025 مداهمة خاطفة أسفرت عن توقيف المشتبه بهما بالجرم المشهود. حيث تم ضبط عدة أطنان من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية، شملت، الطحين والمكسرات، سكاكر مخصصة للأطفال في استهداف مباشر للفئات الأكثر هشاشة، بهارات متنوعة ورب البندورة، وغيرها من المواد الاستهلاكية الأساسية.
لم يتوقف الأمر عند التخزين، بل كشفت المداهمة عن الجانب الأكثر خبثاً في العملية وهو ضبط آلة مخصصة لتزوير تواريخ الصلاحية. هذه الآلة كانت الأداة التي تعيد "إحياء" المواد الفاسدة ورقياً، لتباع للمستهلك على أنها طازجة وصالحة، مما يطرح تساؤلات نقدية حول عدد الشحنات التي قد تكون تسللت بالفعل إلى الأسواق والمطابخ اللبنانية قبل وقوع هذه العصابة.
وعقب العملية، سُلّم الموقوفان مع المضبوطات إلى دورية من الضابطة الجمركية، وتم ختم المستودع بالشمع الأحمر بانتظار كشف ممثلي وزارتي الصحة والاقتصاد.
تطرح هذه الحادثة علامات استفهام كبرى حول غياب الرقابة الاستباقية في المناطق الحدودية والبعيدة عن المركز. فاكتشاف "آلة تزوير" يعني أننا أمام عمل احترافي منظم وليس مجرد تصرف فردي. كم "بر الياس" أخرى تختبئ خلف جدران المستودعات الموصدة؟ وما هي العقوبات الرادعة التي ستتخذ لضمان عدم تكرار هذا العبث بأرواح المواطنين؟