لم يعد اللبناني بحاجة إلى زلزال طبيعي لتهتز الأرض تحت قدميه؛ ففساد الدولة وإهمالها تكفلا بالمهمة. استيقظت العاصمة مجدداً على مشهد سوريالي بات روتيناً يومياً الأرض تنشق وتبتلع ما فوقها.
تحول الكابوس إلى "انخساف أرضي" يزحف بوقاحة نحو أساسات المباني السكنية، مهدداً بتحويل "بيت العمر" إلى "قبر جماعي" في لحظات. ما حدث ليس "قضاءً وقدراً" كما يحلو للمسؤولين تبريره في بياناتهم المعلبة. إن مشاهد الفجوات العميقة التي ظهرت فجأة، كاشفة عن تجاويف مرعبة تحت الزفت، هي الدليل القاطع على أن بيروت تقف على "فراغ". شبكات صرف صحي مهترئة منذ الانتداب، تمديدات مياه تنخر التربة بصمت، وغياب تام لأي صيانة دورية.
لقد تحولت شوارع بيروت إلى "حقل ألغام"؛ تمشي السيارة أو ينام المواطن في سريره، ولا يعلم متى ستبتلعه الأرض. والسؤال الذي يطرح نفسه بمرارة: أين تذهب مليارات الرسوم والضرائب؟ هل يُعقل أن عاصمة في القرن الواحد والعشرين تنهار شوارعها لمجرد "تسرب مياه" أو "شتوة"؟ وبدلاً من إعلان حالة طوارئ هندسية شاملة لمسح الأبنية المهددة، تكتفي الجهات المعنية بـ "الحلول التجميلية". ردم الحفرة بالرمل، وضع "شريط أصفر" حول الكارثة، وإصدار بيان يطمئن المواطنين بأن "الوضع تحت السيطرة". أي سيطرة والناس ينامون وعيونهم معلقة بسقوف منازلهم خشية التصدع؟
إن الخطر لم يعد يقتصر على السيارات؛ فالانخسافات باتت تلامس أساسات العمارات السكنية القديمة، تلك "القنابل الموقوتة" التي حذرت منها نقابة المهندسين مراراً وتجاهلتها الدولة تكراراً. إن ما يجري في بيروت هو جريمة موصوفة مع سابق الإصرار والترصد. كل مبنى يهتز، وكل طريق ينهار، هو محضر إتهام في وجه منظومة تركت البنية التحتية تتعفن بينما تلهت وراء المحاصصة.